اخبار وتقارير

الجمعة - 01 مايو 2020 - الساعة 07:46 ص بتوقيت اليمن ،،،

سميرة الحوري بقيت محتجزة لمدة ثلاثة أشهر حتى اعترفت أمام الكاميرا بتهم الدعارة الملفقة

تحديث نت | نقلا عن صحيفة العرب



حول الحوثيون بعض المنازل والمدارس في صنعاء إلى معتقلات لعدد كبير من النساء اليمنيات اللاتي عبرن عن اعتراضهن لممارسة الحوثيين وسياستهم المدمرة للمجتمع اليمني. وتكشف شهادات معتقلات سابقات، تمكّن من الفرار أو خرجن بعد أن أجبرن على توقيع اعترافات كاذبة بممارستهن للدعارة أو التجسس، عن حالات الاغتصاب والتعذيب التي تتعرض لها اليمنيات المعارضات في معتقلات الحوثيين والتي تتضاعف بالنبذ الذي يلاقينه من الأهل.

إيزابيل ديبر

القاهرة - اختفت زميلات سميرة الحوري من الناشطات واحدة تلو أخرى. وعندما سألت أسرهن، قدم كل فرد منها نفس الرد: “إنها مسافرة”. ثم ظهرت بعضهن من جديد. بدت هؤلاء الناشطات مختلفات ورفضن تحديد المكان الذي تواجدن فيه لأشهر.

وسرعان ما اكتشفت الحوري ما حدث لهن بالفعل عندما اختطفها الحوثيون من منزلها في العاصمة صنعاء في فجر أحد الأيام. أخذوها إلى قبو كان تابعا لمدرسة قبل أن يهجرها تلاميذها بسبب الحرب، ووجدت ذلك المكان القذر مليئا بالمحتجزات مثلها.

قام المحققون بضربها وصعقها بالكهرباء، ومارسوا عليها أشكالا من التعذيب النفسي محددين موعدا لإعدامها قبل إلغائه في اللحظة الأخيرة.

وأصبحت النساء اللاتي تجرأن على المعارضة أهدافا لحملة قمع يشنها الحوثيون. ووصف نشطاء ومحتجزون سابقون شبكة من مرافق الاعتقال السرية أين عذبوا واغتصبوا. كان شارع تعز الرئيسي في صنعاء مليئا بالعديد من هذه الأماكن المخبأة داخل المنازل والمدرسة التي احتجزت فيها الحوري.

الوضع أسوأ
تقول الحوري، التي تبلغ من العمر 33 سنة وبقيت محتجزة لمدة ثلاثة أشهر حتى اعترفت أمام الكاميرا بتهم الدعارة الملفقة، وهي إهانة خطيرة في اليمن المحافظ، “لقد كان الوضع أسوأ بالنسبة إلى الأخريات”.

كانت التقاليد والحماية القبلية تحميان النساء من الاعتقال وسوء المعاملة، لكن تلك المحرمات انهارت أمام ضغوط الحرب.

وفي وقت يموت فيه الرجال في المعارك أو يقبعون في السجون في صراع وصل إلى عامه السادس، زاد تواجد المرأة اليمنية في الأدوار السياسية. وفي الكثير من الحالات نظمت النساء احتجاجات، وقدن تحركات، وعملن في المنظمات الدولية، ونشرن الدعوة إلى مبادرات السلام. واعتبر الحوثيون هذه الممارسات تهديدا لهم.

وقالت رشا جرهوم، العضو في تحالف مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان باليمن والتي أسست مبادرة “مسار السلام” التي تضغط من أجل إشراك المرأة في محادثات السلام بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، إن البلاد تشهد المرحلة الأكثر قتامة بالنسبة إلى المرأة اليمنية.

وكانت كل الاعتقالات المنتظمة والسجون المنتشرة والتعذيب نقاطا محورية في الحرب. ويقول المراقبون إن حملة الترهيب ضد النساء فريدة من نوعها في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

في وقت يموت فيه الرجال في المعارك أو يقبعون في السجون، زاد تواجد المرأة اليمنية في الأدوار السياسية

وتتراوح أعداد النساء المحتجزات حاليا بين 200 و350 في محافظة صنعاء وحدها، وذلك وفقا لبيانات جماعات حقوقية متعددة. وتقول المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر إن هذا العدد أقل من الحقيقي.

يصعب تحديد العدد في المقاطعات الأخرى. وتقدر نورة الجروي، وهي رئيسة “تحالف نساء من أجل السلام في اليمن”، أن هناك أكثر من 100 امرأة محتجزة في محافظة ذمار جنوب العاصمة، وهي نقطة عبور رئيسية من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة إلى الأراضي التي يديرها الحوثيون.

وعملت الجروي، التي تدير مجموعة دعم غير رسمية في القاهرة للنساء المفرج عنهن من سجون الحوثيين، على توثيق 33 حالة اغتصاب.

والتقت وكالة أسوشييتد برس بست محتجزات سابقات تمكن من الفرار إلى القاهرة قبل أن يوقف الوباء الرحلات الجوية ويغلق الحدود. ودعم تقرير حديث صادر عن لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة، رواياتهن حيث قال إن الانتهاكات الجنسية قد ترقى إلى جرائم الحرب.

اعتقلت إحدى السيدات، وكانت معلمة التاريخ وطلبت عدم الكشف عن هويتها حماية لأسرتها في اليمن، أثناء حملة قمع لاحتجاجات ديسمبر 2017. ووُجهت إلى منزل في ضواحي صنعاء، لم تكن تعرف مكانه. وفي الليل، لم تكن تسمع سوى نباح الكلاب.

وقالت إنها كانت مع حوالي 40 امرأة أسيرة. وقام المحققون بتعذيبها، ووصل الأمر ذات مرة إلى نزع أظافر قدميها. في أكثر من حالة، طلب منها ثلاثة ضباط ملثمين أن تصلي وقالوا إنهم سيطهرونها من الخطيئة. ثم تناوبوا على اغتصابها بينما حرصت الحارسات على الحد من محاولاتها لتخليص نفسها منهم.

لكن وزيرة حقوق الإنسان لدى الحوثيين نفت مزاعم التعذيب ووجود سجون سرية للنساء. وزعمت أن العديد من النساء اعتقلن أثناء حملة حديثة ضد البغاء في المقاهي والشقق وتجمعات النساء. وقالت إنهن متهمات “بالعمل على إفساد المجتمع وخدمة العدو” في إشارة إلى التحالف الذي تقوده السعودية.

حملة القمع

وضع مأساوي تحت سيطرة الميليشيات
بدأت أول حملة رئيسية ضد النساء في أواخر سنة 2017، بعد أن قتل الحوثيون حليفهم في الحرب، الرئيس السابق علي عبدالله صالح. واحتجزوا العشرات من النساء اللاتي خرجن إلى الساحات العامة احتجاجا على ذلك. وقالت نورة الجروي إن النطاق توسّع منذ ذلك الحين من قادة المعارضة، إلى المتظاهرين، ثم إلى أي امرأة تنتقدهم.

وقالت إحدى النساء لوكالة أسوشييتد برس إنها سُحبت من سيارتها في مكان احتجاج، وتعرضت للضرب والاحتجاز. كما احتجزت ناشطة في منظمة إنسانية مقرها لندن في مركز شرطة صنعاء لأسابيع.

تذكّرت معلمة، تبلغ من العمر 48 سنة، كيف اقتحم 18 مسلحا منزلها وضربوا الجميع في الداخل، وداسوا على وجهها وصرخوا متلفظين بإهانات جنسية. لم تكن على صلة بعالم السياسة لكنها نشرت مقطع فيديو على فيسبوك اشتكت فيه من أن الحكومة لم تدفع مستحقاتها لأشهر. ثم هربت مع أولادها إلى مصر بعد فترة وجيزة.

قالت الحوري إنها رفضت طلب مسؤول حوثي ولم تبح بأسماء النشطاء الآخرين، فاختطفت في يوليو 2019 على يد 12 ملثّما يحمل كل واحد منهم كلاشينكوفا.

وسُجنت في مدرسة دار الهلال المهجورة في شارع تعز أين أحصت معتقلة، تدعى برديس الصياغي وهي شاعرة بارزة انتقدت قمع الحوثيين، حوالي 120 امرأة محتجزة هناك، وأغلبهن معلمات في المدارس وناشطات في مجال حقوق الإنسان، ومراهقات.

وقالت الصياغي إن المحتجزين ضربوا رأسها على طاولة لدرجة أنها احتاجت إلى جراحة في العين عند إطلاق سراحها بعد أشهر.

وقالت الحوري والصياغي إن رئيس قسم التحقيقات الجنائية في صنعاء سلطان زابين كان يخرج بعض “الفتيات الجميلات” من المدرسة لاغتصابهن في بعض الليالي. واعتبرت لجنة خبراء الأمم المتحدة أن زابين يدير موقع احتجاز غير معروف، أين تعرضت نساء للاغتصاب والتعذيب.

وقالت الحوري ومعتقلات سابقات إنه تم استخدام منزلين على الأقل في شارع تعز لاحتجاز نساء، إلى جانب مواقع أخرى حول العاصمة، بما في ذلك شقق سكنية ومستشفيان وخمس مدارس.

وعندما أطلق سراح معلمة التاريخ في مارس 2018، تُركت عند ممر بأحد الشوارع. ثم رفضت عائلتها رؤيتها خوفا من العار الذي قد يترتب على ذلك. وقالت “في عيونهم، خرجت للاحتجاج. لذلك، كنت أستحق ما حدث لي”.

وتقول محتجزات سابقات إن الحوثيين يهدفون إلى إذلالهن بالاغتصاب ومزاعم البغاء. وقالت فاطمة الأسرار، وهي خبيرة غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط، إنه غالبا ما تُنبذ الناجيات من الاعتداء الجنسي في المجتمع الأبوي اليمني ويقتلهن أقاربهن أحيانا للحفاظ على “شرف” العائلة.

ولا يتم إطلاق سراح النساء إلا بعد تعهدهن بالتوقف عن الاحتجاج أو النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وبعد تسجيل اعترافهن بالدعارة والتجسس.

وأضافت برديس الصياغي “قالوا لي: إذا غادرت صنعاء، فسوف نقتلك. وإذا تحدثت ضدنا، فسوف نقتلك”.

في القاهرة، تساعد النساء بعضهن البعض على التأقلم والمضي قدما. ويجتمعن مع أطفالهن حول مائدة العشاء في المنزل. ويتذكرن مدينتهن قبل الحرب، عندما كن يلقين أبيات الشعر ويدخّن النارجيلة في المقاهي التي أغلقها الحوثيون لمنع الرجال والنساء من الاختلاط.

يواصل الحوثيون إرسال تهديدات إلى الكثير من النساء. لذلك، لا تستطيع اللاتي تمكن من مغادرة البلاد رؤية أسرهن في صنعاء مرة أخرى.

وتدرك الحوري أن الحوثيين سيفرجون عن اعترافها قريبا. لكنها مقتنعة بأن رواية قصتها تستحق المخاطرة. وقالت “ما زالت هناك فتيات في السجن. عندما أحاول النوم، أسمع أصواتهن، أسمعهن يتوسلن، سميرة، أخرجينا”.