تحقيقات وحوارات

الخميس - 19 أكتوبر 2023 - الساعة 01:20 ص بتوقيت اليمن ،،،

تحديث نت / خاص.


تقرير/ الخضر بن الهيثم .

تضاعفت هموم وأوجاع موظفي الدولة في بلادنا عام بعد عام، واضحت حياتهم مليئة بالأحزان، ومفعمة بالمعاناة ، وحافلة بالأسى والحرمان، مئات الآلاف من الموظفين يعيشون أزمات متعددة الأوجه في مختلف مناطق البلاد منذ 21 سبتمبر 2014 وهو اليوم الأسود في تاريخ البلد.

لا أحد أقدر على تصوير الحرمان أكثر ممن يعاني الحرمان نفسه، ولا أحد أبلغ في التعبير عن الألم أكثر ممن ذاق مرارة الألم، إذ يتكشف لك حجم المأساة وأنت تتحدث إلى موظفي الدولة أنفسهم لينقلوا لك الصورة كما هي ويسردوا لك تفاصيل المعاناة من قلب يعتصره الألم لما آلت إليه أوضاعهم.



معلم على قارعة الطريق .

بشكل مفاجئ وجد المعلم " عبدالله الدوحي " نفسه على قارعة الطريق بدون دخل مادي، وكان " الدوحي " معلم لمادة الرياضيات وحاصل على البكلاريوس، وبسبب سوء الظروف وغلاء المعيشة وانهيار العملة المحلية وصل به الحال أن يقضي ماتبقى من عمره على قارعة الطريق وهو بحالة نفسية يرثى لها ومثل حالة الأستاذ الدوحي العديد من الموظفين الذي وصل بهم الحال إلى هذا الوضع المأساوي نتيجة الظروف المعيشية القاسية.

على السياق نفسه التربوي " صالح سالمين " (48عاما)، بدأ الحديث بتنهيدة عميقة كانت كافية للتعبير عما يقاسيه من مرارة في العيش بعد أن توجهنا إليه بسؤال عن وضعه في ظل ضعف الراتب حيث قال: "أشعر أنني معلق بحبل في هاوية سحيقة لا أنا بالذي ارتفع ونجا ولا بالذي وقع ومات واستراح".



من معلم إلى طباخ .

من جهة أخرى أخر وجد المعلم " نضير ثابت " نفسه أحد هؤلاء الموظفين الذين يعانون من ضعف في قيمة الراتب الأمر الذي اضطره للبحث عن عمل آخر يصرف منه على عائلته المكونة من ستة أفراد.
يقول نضير بنبرات حزينة " إنه بحث طويلاً عن عمل ليحمي أولاده وأسرته من مذلة الحاجة بعد ما شعر أن راتبه لا يسمن ولا يغني من جوع مشيراً إلى أنه لم يجد عملاً سوى في أحد المطاعم وما يزال يعمل به حتى الآن مع تفاقم الأوضاع المعيشية وترديها أكثر مع إطالة أمد الحرب.



من طيار ميج الى سائق دراجة هوائية.

الطيار أحمد العبار يحمل رتبة عميد طيار. .يروي تفاصيل قصته بأسى عميق ويقول :" قذفت بي الحياة وجار علي زمن القهر والحرمان . ومضى يقول" لا املك إلا هذه الدراجة الهوائية متنقلا بها في مشاويري اليومية.

في كل بلدان الدنيا يمثل الطيارون فخرا واعتزازا لوطنهم ويعيشون معززين مكرمين في حياتهم العسكرية والتقاعدية الأ أحمد العبار ومعه صف طويل من الطيارين والمهندسين على احدث انواع الطيران قذف بهم الأنظمة الاستبدادية الى الحال الذي يبدون عليه اليوم .



من ضابط إلى بائع خيار.

وتعيش مناطق عديدة في بلادنا ظروف معيشية سيئة مع استمرار ارتفاع اسعار المواد الغذائية وانقطاع المرتبات وبالمثل يعيش الغالبية الساحقة من الشعب اليمني ظروف قاسية مع استمرار الحرب وتدهور العملة الوطنية وارتفاع الأسعار بشكل جنوني منذ ما يقرب من ثمانية أعوام .
المواطن باسل علي أحمد عمر يحمل رتبة رقيب أول في وزارة الداخلية أجبرته الظروف المعيشية على أن يلجأ إلى بيع الخيار في شوارع المدينة.

ويقول باسل " بأنه يعيش ظروف معيشية صعبة جدا في ظل استمرار انهيار العملة الوطنية وارتفاع الأسعار وأن راتبه لا يكفي لسد رمق أطفالة وعائلته.
ويضيف بأنه يعمل في السلك الأمني بمحافظة لحج وإن راتبه لا يتجاوز 85 الف ريال يمني بالرغم من أنه خدم في السلك العسكري لمدة ثلاثين عاما مؤكدا بأن الراتب لا يكفي لتوفير احتياجات أسرته.

ويتابع : بأنه لا يستطيع توفير الثلاث الوجبات اليومية لنفسه فضلاً عن عائلته وأن الظروف المعيشية أجبرته على البحث عن فرصة عمل اخرى وهي بيع الخيار في الشوارع ويضيف "ما أصعب أن يجد الإنسان نفسه فجأة في وضع لم يعتد عليه، ومهنة لا يتقنها ولم يزاولها من قبل.



رحى الفقر تطحن رؤوس الموظفين.

باتت حالة الفقر والبؤس تدور رحاها فوق عشرات الآلاف من موظفي الدولة، إذ أدى توقف الرواتب عنهم إلى تدهور حاد في الوضع المعيشي وخلق أوجاعا حقيقية لديهم ولأسرهم الفقيرة، ووسع ذلك من رقعة المأساة المعيشية لدى الكثيرين، خصوصا في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، التي تمثل الكثافة السكانية العالية في البلاد.

واقع مرير يصعب تقبله إذن، وظروف مأساوية يصعب التسليم بها، فتلك هي الأزمة الأشد إنهاكاً لمئات الآلاف من الموظفين كأكبر كارثة إنسانيّة في بلادنا تركت تأثيراتها السلبيّة على حياة ملايين اليمنيين، وبات كل بيت من بيوت هؤلاء يعاني المزيد من اللأواء ومرارات الألم.

وتعرض البلد المنكوب بفقر وبطالة مزمنة على مدى السنوات الماضية من الحرب، إلى تدمير هائل وخسائر ضخمة في البنية التحتية والتنمية الاقتصادية وتفاقم المعاناة الإنسانية وتوسع الفقر وتزايد أعداد البطالة.

وارتفعت نسبة الفقراء في اليمن بين عامي 2014 و2018 بشكل حاد. وتشير تقديرات رسمية إلى أن معدل الفقر بلغ 76.9% عام 2016، فيما زادت هذه النسبة عام 2017 إلى 77.9%، وإلى 78.8% عام 2018. ومع استمرار الوضع الحالي المتردي وتواصل التراجع الاقتصادي وصعوبة الأوضاع الإنسانية فإن معدلات الفقر مرشحة للزيادة إلى معدلات تفوق 80% خلال عام 2020م.

وفق التقديرات الرسمية كذلك فقد ارتفع عدد الفقراء إلى ما يقارب الضعف عام 2014م مقارنة مع العام 2005م ليصل إلى 12.6 مليون شخص، ثم إلى أكثر من 20 مليون شخص مع نهاية 2019م.

ومع استمرار الحرب وعدم تحقيق السلام المستدام في البلد، يحذر خبراء أن البلاد ستعاني من أكبر مجاعة في العالم، وستصنف كأفقر بلد في العالم.

وقد مثل الافتقار إلى الفرص الاقتصادية المتاحة السبب الرئيسي وراء انخفاض سبل العيش لجميع الفئات السكانية في البلد، إلى جانب توقف صرف رواتب الموظفين المدنيين والتسريح الذي طاول الأيادي العاملة في شركات القطاع الخاص، إضافة إلى غياب الفرص الاقتصادية المتاحة لكسب العيش للفئة العاملة من السكان.