عرض الصحف

الخميس - 16 نوفمبر 2023 - الساعة 03:10 م بتوقيت اليمن ،،،

تحديث نت/العرب:

قلب التحولُ المفاجئ للحوثيين من محادثات السلام إلى الهجمات الصاروخية التي تستهدف إسرائيل ما بدا أنه ارتداد عن العنف ولجوء إلى لغة الحوار.

وقال الباحث الأميركي آشر أوركابي في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست إنه قبل أقل من شهر بدا الأمر كما لو أن جماعة الحوثي على وشك التوصل إلى اتفاق سلمي مع المملكة العربية السعودية والحكومة الجمهورية اليمنية المعترف بها دوليا.

وأدى هدوء القتال النشط في اليمن إلى اعتقاد البعض بأن جماعة الحوثي المسلحة قد هدأت وأنها مستعدة للجلوس إلى الطاولة الدبلوماسية، وتمثيل مصالح سكان اليمن الشماليين. كما أثار تطبيع العلاقات السعودية – الحوثية مزيدا من التشكيك في الروابط المزعومة بين الجماعة المتمردة وإيران.

لكن في تناقض صارخ، بعد هجمات غزة في 7 أكتوبر الماضي، سمحت قيادة الحوثيين بإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة متعددة في اتجاه المنطقة الجنوبية لإسرائيل.

ويقول أوركابي إن الانضمام إلى حرب بعيدة وإنفاق موارد ثمينة، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد مما تصفه الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية من صنع الإنسان في العالم، قد يبدوان كأنهما سلوك قيادة متوهمة. ومع ذلك، فقد تم القيام به في الواقع بحسابات باردة ويحمل عواقب إقليمية مخيفة أكثر بكثير من عدد قليل من الصواريخ.

ومع استمرار الحرب في اليمن منذ الهجوم الحوثي الأول على العاصمة صنعاء في عام 2014، ازداد استياء السكان من الوضع الإنساني البائس وتقييد السفر والحكم الصارم.

وشعار الحوثيين سيئ السمعة “الموت لأميركا .. الموت لإسرائيل .. اللعنة على اليهود والنصر للإسلام” لا يفعل الكثير لتحسين الحياة اليومية لليمنيين.

ومع تراجع شعبيتهم وشرعيتهم اتجه الحوثيون إلى طاولة المفاوضات مع المملكة العربية السعودية، وهم على استعداد ظاهريا للتفاوض على وقف إطلاق النار وإنهاء الصراع.

وفي 7 أكتوبر الماضي وفر هجوم حماس الذي يصعب فهمه في إسرائيل هدية سياسية للحوثيين، حيث خرج ملايين المتظاهرين إلى الشوارع في جميع أنحاء الشرق الأوسط، احتفالا بحماس ودعوا إلى المزيد من العنف ضد إسرائيل.

وألقى عبدالملك الحوثي خطابا متشددا، مستشعرا الاحتجاج الشعبي المتزايد وفرصة لتعزيز صورة جماعته المعادية لإسرائيل، ومحذرا الولايات المتحدة وإسرائيل من دخول الحوثيين المحتمل في الحرب مع إسرائيل.

ويقول أوركابي إنه منذ احتجاجات الربيع العربي في عام 2011، التي أطاحت بجيل من “الدكتاتوريين” في الشرق الأوسط، لم يتدفق هذا العدد من اليمنيين إلى شوارع صنعاء.

ويضيف أنه في أكتوبر 2023 لم تكن الدعوات في الشوارع من أجل إنهاء الدكتاتورية العسكرية للرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح الذي حكم البلاد لفترة طويلة، بل من أجل تدمير إسرائيل، وهي فكرة متحمسة عززتها أجيال متعددة من التعليم المتطرف.

وبمشاهدة مئات الآلاف من المتظاهرين في الشارع، الذين تجمعوا لأسباب لا علاقة لها بالسياسة اليمنية، رأت قيادة الحوثيين فرصة لحشد الرأي العام لصالحها.

وبدلا من مجرد الاستمرار في ترديد شعارها الذي يدعو إلى “الموت لإسرائيل” اختارت المؤسسة العسكرية الحوثية إعلان الحرب على إسرائيل، وإطلاق الصواريخ على مدينة إيلات الساحلية جنوبا، وعلى الأرجح المواقع النووية الإسرائيلية حول مدينة ديمونة.

وبهذا القرار ربما يكون الحوثيون قد تمكنوا من إحياء شعبيتهم الضعيفة في اليمن وانسحبوا -من جانب واحد تقريبا- من مفاوضات السلام بينهم وبين السعودية.

ولن يروا بعد الآن حاجة إلى تسوية سياسية مع خصومهم، بعد أن قاموا بتحول في اتجاه العلاقات العامة لتحسين حظوظهم السياسية المتدهورة.

وفي الواقع كان إعلان الحوثيين الحرب ضد إسرائيل إعلان انتصار على قوات المعارضة في اليمن، والتي لا يمكن لأي منها الآن منافسة الجماعة التي صورت نفسها على أنها محارب مقدس ضد إسرائيل.

ويرى أوركابي أن حقيقة أن الحوثيين أطلقوا صواريخ باليستية على إسرائيل وعرضوا المواطنين اليمنيين للخطر ليس لها تأثير يذكر على قيادة الحوثيين التي تقودها أيديولوجيا متطرفة وعنيفة.

ومن خلال مهاجمة إسرائيل والدخول في الصراع إلى جانب حماس وحزب الله، أعلن الحوثيون رسميا عن انتمائهم إلى إيران.

ويتم تدريب وكلاء إيران المسلحين لغرض واحد وهو زعزعة استقرار الحكومات، وإغراق المنطقة في اضطرابات ودمار دائمين.

ومع ذلك فإن فهم أفعالهم على أنها حرب ضد إسرائيل يمكّن السلوك السياسي لهؤلاء الوكلاء الإيرانيين من هامش حرية واسع، حيث سيتم من الآن فصاعدا وصف من يعارض تفوقهم وحكمهم بأنه متعاطف مع الصهيونية.

ونمت شعبية تحالف الوكلاء المسلحين الإيرانيين بين عشية وضحاها، مع تصويرهم كأبطال من قبل العامة كدليل على الطبيعة المنتشرة لحملاتهم الدعائية العالمية.

ولا يشك أوركابي في أن قوات الحوثيين ستستمر في إطلاق الصواريخ على إسرائيل، مدركين أنه حتى الفرصة البعيدة لضربة ناجحة ستزيد من إعلاء مكانة جماعتهم في المنطقة بشكل كبير.

ومع ذلك، فإن خطر صعود الحوثيين وتشددهم لا يقتصر على الأراضي الإسرائيلية والسعودية. ويطل الجزء الذي يسيطر عليه الحوثيون من اليمن على نقطة الاختناق البحرية المهمة لمضيق باب المندب. ويبلغ عرضه تسعة وعشرين كيلومترا فقط في أضيق نقطة له، وهو رابع أكثر الممرات المائية ازدحاما في العالم، حيث يربط بين البحر الأحمر والمحيط الهندي.

وفي ختام تقريره يقول أوركابي “ستكون لإعلان الحوثيين الحرب ضد إسرائيل تداعيات محليا وإقليميا وعالميا. وسيتم إعلان النصر في الحرب الأهلية في اليمن، حيث لعب الحوثيون أقوى أوراقهم في مهاجمة إسرائيل والاستفادة من المشاعر الشعبية الصاخبة التي تحتفل بموقف حماس. فقد اكتسبت إيران ووكلاؤها اليد العليا في المنطقة، مع القدرة على نشر الفوضى وعدم الاستقرار، وكل ذلك باسم خوض حرب ضد إسرائيل”.

وقد دفع الحوثيون أنفسهم إلى مركز المشاحنات الدبلوماسية في المنطقة. وقد يكون تركيز العالم على غزة الآن، لكن الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الحوثيون حولت التهديدات المحتملة في منطقة الشرق الأوسط الأوسع إلى مخاطر حقيقية وأجبرت العالم على تركيز الانتباه عليها. ورغم ذلك بدأت للتو رؤية تداعيات المخاطر.