الدكتور بليغ يكتب

الجمعة - 13 يوليه 2018 - الساعة 11:10 م بتوقيت اليمن ،،،

تحديث نت/خاص


كنا قد تحدثنا في الجزء الأول عن ان غياب وجود الخلافة كنظام للحكم في الدين الإسلامي يجعل التعامل مع مفهوم الأمة الإسلامية وتطبيقه أمرا عسيرا وغير ممكن , وان الممكن والمتاح الآن – بحسب وجهة نظري المتواضعة – هو العودة إلى البنية الأساسية للشعوب وهي القبائل , وسنتناول في هذا الجزء الفوائد من التعامل على هذا الأساس وما يمكنه أن يقدم من حلول اتجاه التحديات والمعوقات التي تواجهها هذه المجتمعات , كما سنسرد شواهد على هذا الأمر .

ولي تعليق بسيط على بعض الإخوة ممكن قدموا انتقاداتهم وملاحظاتهم حول تقديمي لمفهوم الشعوب والقبائل – شعب الجنوب انموئجا - على مفهوم الأمة , مع وجوب أن نضع ما يفرضهما هذان المفهومان من تطبيقات حياتية سياسية واقتصادية واجتماعية مباشرة , وهو انه يجب التمييز بين ما نرغب بالوصول إليه من أماني ومشاعر , وبين حقيقة الواقع المعاش , وكذالك التفريق بين طريقة تعامل الشعوب مع بعضها البعض , وطريقة نعامل الدول القومية الحديثة وأجهزتها المختلفة مع بعضها البعض ومع الشعوب التي تدير حياتها .

الآن لننتقل إلى الفوائد , وأهمها على الإطلاق – والذي دأب الفقيد المهندس جمال مطلق على ترتيده - هي أن العودة إلى مفهوم الشعوب والقبائل هو في الحقيقة إبقاء للجهد والتعبير الجماهيري حيا باقيا دون انقطاع - وهو ما يعبر عنه حديثا بصوت الشعب ورغبة الجماهير والفعاليات المجتمعية كالتظاهرات والاحتجاجات والتجمعات المليونية - وبالتالي في العودة إلى هذا المفهوم ستجعل مصالح الشعوب والقبائل التي تكون هذه الشعوب متواجد بقوة أولا , وسيحترم كل جزء منه حجمه وضرورة تعايشه مع الأجزاء الأخرى كضرورة للبقاء وتحقيق النمو للجميع , ثانيا , ويمكنه من القيام بدوره المناط به والذي يتناسب مع حجمه وقدراته وآماله دون أن يتعارض مع باقي أجزائه , في بوتقة هذا التنوع بطريقة تضمن تحقيق العدل للجميع وإعادة الحقوق إلى أهلها ثالثا , دون أن تتعاظم مخاوف الأقليات وتصبح هاجسا مقلقا وبوابة لزرع الفتنة أو استغلال هذه الفجوة لتحقيق سياسة فرق تسد من أعداء هذه الشعوب , أو أن تكبر أطماع الأغلبية اعتمادا على قوتها العددية فتقوم بظلم البقية لتنشىء نظاما مركزيا مجحفا للشعب كله لا يقبل إلا صوته وينكر أصوات البقية , وللإخوة الجنوبيين وأيام حكم الشيوعيين خير مثال و لا تزال قريبة في الأذهان .

الفائدة الثانية أن بقاء هذا المفهوم حيا في المجتمعات الحديثة يضمن للمصالح الإستراتيجية لهذه الشعوب أن تبقى هي المعيار الذي يقاس عليه رضا هذه الشعوب أو عدم رضاها اتجاه قادتها وطريقة إدارتهم لملفاتهم الوطنية , بما يكفل للجهود الشعبية الجماهيرية أن تكون بعيدة عن الاستغلال من قبل التنظيمات السياسية – التي تمثل قوى إقليمية أو دولية تتبع لها وتمول من قبلها - ممن يركبون الموجة لصالحهم الشخصي , كما انه يحصن هذه الجهود الشعبية من الأخطاء الفردية لشخوص قياداتها أو تعرضهم للضغوط أو حال انحرافهم عن الأهداف العامة تحت تبريرات مختلفة كممارسة التكتيك أو عدم قدرتهم على كشف طبيعة الاتفاقيات والصفقات التي قد عقدوها مع أطراف أخرى وما إلى ذلك , وخير مثال على ذلك جنوبا , سقوط القيادات (التاريخية ) المتتالي في مجرى سير تاريخ هذه الاحتجاجات الشعبية جنوبا , كالبيض وعلي ناصر والعطاس والجفري ثم تلاهم باعوم وحاليا يلحقهم قيادات المجلس الانتقالي , والذين كانت صورهم تحضر , ثم لا تلبث أن تقل , أو تختفي , وهذا ليس حصرا على الجنوب , فمن كان يتابع المشهد التونسي والمصري مثلا سيجد نفس الأمر , ففي المشهد المصري ظلت الثورة المصرية في أيامها الأولى ضد نظام مبارك وقمعه قائمة بوجوه مختلفة متعددة مسلمة ومسيحية ,إسلامية – سلفية كانت كحزب النور أو اخوانية والذين تحالفوا لفترة ثم بدأت بينهما الشحناء بعد أن أحس الإخوان المسلمون بأن الأمر قد صفي لهم - وقومية وحتى علمانيه كالبرادعي , ثم اختفت وجوه وصعدت أخرى أيام الانتخابات المصرية الأولى التي أوصلت الإخوان و مرسي إلى كرسي الحكم , ثم اختفت لتأتي صورة السيسي ومؤسسته العسكرية – والذي لم يكن ليحس بهذا الاطمئنان في تنفيذه لتعميق سيطرة المؤسسة العسكرية لنفوذها على كافة أوجه الحياة المصرية دون تلك التفويضات الشعبية المتكررة التي طلبها من الشعب المصري واعتمد عليها كمبرر قوي لضرب جميع خصوم المؤسسة العسكرية التي يمثلها والتي أوصلت مصر وشعبها إلى الحالة التي ترونها اليوم - , وها هو السيسي ومؤسسته العسكرية في مواجهة جديدة مع باقي المجتمع المصري , وكان الزميل د. باسم يوسف ومسيرته كإعلامي ساخر و مسيرة برنامجه الشهير ( البرنامج) خير مثال على طبيعة وحقيقة تعامل هذه المؤسسات أو التنظيمات حال غياب الجهد الشعبي أو انحساره كعامل ضغط – والذي يعني ضمنا رضى الشعوب عن هذه التنظيمات أو المؤسسات وتسليمهم له بالقيادة - وستلاحظون هنا أن هذا التنوع المفيد للشعب وقواه ومصالحه , لم يختفي , وتبدأ تنظيمات معينة أو مؤسسات معينة بممارسة عنجهيتها وفرض نظرتها الخاصة لما هي مصلحة الشعب كله . واعتبار باقي قوى الشعب وقبائله المختلفة معها أعداء للشعب - , إلا عندما يتوقف عامل الضغط الأهم ألا وهو تعبير الجماهير العامة .

وإذا ذهبنا لتونس لوجدنا نفس الأمر , ولكني فضلت أن أقدم الحالة المصرية لأنها الأقرب لنا في الجنوب , لأسباب تاريخية واقتصادية وفكرية ليس هذا محل سردها وإيضاحها .

وهنا أود أن اسرد نقطة هامة ذكرها الزميل د.باسم يوسف في لقاء مع قناة تلفزيونية أمريكية بعد نفيه من مصر من ناشطة مصرية , يدور عن السبب الحقيقي والحدث الذي نقل مصر من دولة حداثية صناعية , وأوصلها إلى الوضع الحالي , فكانت إجابته أن ما حصل أن عقلية العسكر وحكمها لمصر هو الذي أوصلها إلى وضعها اليوم , وأشار إلى أن التنظيمات السلفية المتطرفة التي غذت عقول المصريين طوال الفترة الماضية كانت في الحقيقة من صنع المؤسسة العسكرية التي أرادت ان تكون موجهة ضد الإخوان , وأشار أيضا إلى أن العقلية العسكرية هي في نفس درجة التزمت إن لم تكن أكثر من المؤسسات الدينية , وهذه النقطة نود أن نوصلها إلى قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي وتركيبتها العسكرية الدينية الحزبية , لعلهم يستفيدون منها .

وهنا سنؤجل بقية الحديث من الفوائد والشواهد إلى الجزء القادم .

همسة في أذن عبدربه : بعد هذا العمر والتجربة , أتراك من عقلية العسكر أم انك من عقلية الحكماء الذي يؤمنون بسنة الشعوب والقبائل ؟

همسة في أذن عيدروس : هل سألت نفسك يوما حينما عينك هادي في منصب محافظ محافظة عدن أتراه عينك ثقة , أم عينك ليكشف لك حقيقة مسؤولية إدارة الشعوب , أم عينك ليكشف حقيقة العقلية التي تلقي لك وسوسة بالنصائح ؟

همسة في أذن المجلس الانتقالي : هل انتم شيوعيون امميون , أو هل انتم قوميون قطريون , أم تراكم إسلاميون سلفيين كنتم أو اخوانجيون ؟ فأين هو الشعب الجنوبي وقبائله ؟

همسة مع غمزة في أذن المبعوث غريفيث : إن الاستماع لأصوات الجنوب الذي بدونه لن يتحقق السلام في اليمن , يعني الاستماع للشعب الجنوبي وقبائله .

د.بليغ اليزيدي

مغرب الجمعة

13 يوليو 2018 م