ادبــاء وكُتــاب


28 مايو, 2019 10:48:32 م

كُتب بواسطة : وليد التميمي - ارشيف الكاتب


حينما يسألك أي شخص في الخارج عن هويتك وجنسك وفصلك؟ عاده ما تكتفي بالقول (أنا حضرمي)، وعندما تصمت قد يفاجئك بمعلومات عن حضرموت ورموزها في المال والأعمال والتجارة، بل أنك أحيانا تستمع لمحاضرات مطوله عن كرم الحضرمي، أصالته، عفته وشرفه، بياض وجهه وقلبه، سمعته الطيبة، إخلاصه في عمله ووفائه للاخرين، كل هذه الصفات ما زالت تختزل جزيئات الصورة النمطية عن الحضارم في الخارج.

الحضارم الانقياء، الاتقياء، الحضارم من دون شوائب أو طفيليات، الحضارم الذين يصدقونك القول والفعل، ويصارحونك بما يسرك وما قد لا يعجبك، الحضارم الذين أصبحوا سفراء نوايا حسنة لأبناء جلدتهم، وبفضلهم أينما ذهبنا يشار إلينا بالبنان، هذا حضرمي، فترتفع قاماتنا في السماء، قبل أن نعود إلى ضبط مصنع أخلاقنا على التواضع والبساطة التي جبلنا عليها في حضرموت وخارجها.

لكن للأسف حتى هذه السمعة التي مازلنا نكافح لصيانتها كآخر الحصون المنيعة لذواتنا من الانكسار والتلاشي في العدم، ابتلانا الزمان بمن يحاولوا خدشها، الإساءة إليها وضربها في الصميم، بتوظيفهم سلاح الفن للتطاول على رمزية الشخصية الحضرمية عبر التاريخ، فسارعوا للنبش في سيرته بحثاً عن أبطال افتراضيين يقدمونهم للجمهور، لإيهام الجميع بأن الإنسان الحضرمي لا يعدو عن كونه، إنسانا منافقا، مخادعا، متلونا، سارقا، نصابا، غبيا، جاهلا، شحاتت، متسولا.

أليست هذه هي الصورة التي يحاول مسلسل (الحقد الدفين) عفواً أقصد (الحجل والزفين) ترسيخها في وجداننا، ويجتهد مخرجه زيدون العبيدي، لاقناعنا بأنه لم يجد شخصية حضرمية تستحق أن يكتب عنها ويخرج مسلسل غيرها، الله أكبر، وأين في الكويت؟!، البلد الذي يعج بعشرات القصص عن المغتربين الحضارم الذين خلدت أفعالهم أسماءهم في (الديرة)، بدلاً عن (المسخ) الذي تابع أدق تفاصيل حياته وكتب عنها مسلسل عار على الدراما الفنية المحلية، لم يسلم منه الطالب الحضرمي الذي تميز بين أقرانه بالتفوق العلمي والنبوغ الفكري، والسلوك المتزن ودماثة الخلق، وحسن المظهر، فصوره بأنه كائن مهرج، شهادة امتيازه بأنه مختل عقلياً، قبيح شكلياً، عنوان للسخرية والاستهزاء أينما كان وارتحل.

(الشرك) الذي سقط فيه عبيدون، سبقه إليه كثيرون قبله، الفهم القاصر للفن ورسالته الذي لا يفرق بين نقد الظواهر السلبية ومحاولة تشوية الحقائق، بتعميم الخاص على العام، وجعل الاستثناء هو القاعدة، الشطح أكثر من اللازم، النزق الفني اللا واعي واللا مدورس، وبدلا من محاولة (حجر) القبح، يمنحونه السيادة على المشهد، بإنتاج مسلسلات لو كنا في بلد آخر لكان من أبسط حقوقنا أن نقاضي مخرجيها ونرفع دعاوى ضدهم أمام القضاء، للحيلولة دون السماح باستمرار عملية غسل أدمغتنا، لدفن موروث متراكم من قيم النبل والسمو الفطري للحضارم، لإرغامنا على أن نتقبل فكرة أن ما نعانية اليوم من تشرذم مجتمعي، وانحطاط فكري، ومجاعة ثقافية، وسقوط أخلاقي مدو، هو امتداد لماضي حبله السري معقود بالحاضر غير منفصل عن المستقبل.

هذا الإسقاط المنحرف، استثمر بيئة السلبية التي يرزح تحت جبالها الحضارم، وخصوصا النخبة من مثقفيهم، الذين بلعوا ألسنتهم، وانعزلوا عن واقعهم المرير، ليحافظوا على مصالحهم أو يتجنبوا إرهاق أعصابهم بمعارك كان يفترض أن يتصدروها، فهانت عليهم حضرموت التي سلموها لمن يستخدموا فضاءها الإبداعي كحقل تجارب لمشاريعهم الفنية المسمومة.