ادبــاء وكُتــاب


17 ديسمبر, 2017 11:25:44 م

كُتب بواسطة : قاسم المحبشي - ارشيف الكاتب



عصر اليوم ايقنت أكثر أن الرموز الثقافية خالدة لا تموت، وإن الإنسان يموت فقط حينما لم يعد أحد يتذكره! وهكذا كان الشاعر العدني الأصيل لطفي جعفر أمان هو الحضور البهي في مسائية الأدباء التذكارية بمركز الرشيد الليلة. على إيقاع قيثارة الحب والجمال وذكرى رحيل الأديب الشاعر لطفي جعفر أمان
ال ٤٦ إنعقدت أمسيتنا التذكارية الأدبية
في قاعة مركز الرشيد للتنوير والتدريب والدراسات في خورمكسر، من الرابعة عصرا، حتى السابعة مساءاً، وبحضور الدكتور عادل عبدالمجيد القائم بأعمال نائب رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية ونخبة نوعية من الأدباء الشباب وبجهود وتنسيق، مؤسسة أبجديات ونادي نون ومبادرة آفاق الثقافية، ولما كنت شاهداً على ميلاد فكرة تلك الفعالية الأدبية منذ البداية، إذ تواصلت معي المهندسة المثقفة سميرة اليافعي رئيسة الأنشطة في مبادرة آفاق الثقافية وحملة عدن تقرأ منذ أيام بشأن إمكانية تنظيم هذه الأمسية في كلية الآداب وزارني الأديب الشاب إبراهيم الحكيمي الى الكلية من أجل هذا الغرض، ووعدتهما بالبحث في الخيارات الممكنة لتنظيم الفعالية، فوقع الاختيار على مركز الرشيد للتنوير الذي سبق له وأن استضاف قبل أسابيع أمسية قصصية لنادي السرد - عدن، إذ كانت أمسية رائعة تركت فينا أثراً إيجابياً للمركز وادارته وإمكانياته المساعدة على إنجاح الفعالية بيسر وسلاسة وفاعلية.
وهذا هو ما تحقق الليلة.
على مدى ساعتين تقريباً استمتعنا بالتحليق في فضاءات الشاعر الراحل لطفي أمان وسيرة حياته الحافلة بالإبداع والعطاء واستمعنا الى باقة متنوعة من قصائده الجميلة منتقاة بعناية من دواوينه الخمسة، واستمعنا الى تسجيل صوتي يتحدث فيه الراحل عن تجربته الشعرية والتربوية وعن قصيدتة الساخرة ( تصنيفتش) ومناسبة قولها. بيد أن الحضور الجميل لقوة عدن الإبداعية وخصبها الأدبي الذي يبعث على الفخر والأمل هو وجود تلك الأصوات الشابة التي شنفت أسماعنا بقصائدهم الرائعة، وحينما تستمع للشاعر المتألق أسامة المحوري الفائز بجائزة الشعر العربي، بصوته الجهوري، تشعر بالقيمة والهيبة الحقيقية للإبداع الشعري الأصيل، كان المحوري هو أول الشعراء الذين ادهشوا القاعة بمواهبهم الشعرية الباذخة الجمال والمتعة، استمعنا ثلاثة قصائد فقط من الذاكرة وبإلقاء متميز ومثير، لا يمل ابدا. ثم استمعنا للشاعر الجميل ناجي عطية بقصائده الجميلة واعجبني الشاعر الشاب وهو اصغر الحاضرين سنا محمد بن قيس بموهبته المثيرة للإعجاب والاعتزاز.
واستمعنا الى صديقنا الشاعر كمال اليماني بقصيدتين جميلتين. واستمعنا لنصين سرديين للاديبة الواعدة رفيدة عبدالحفيظ عن معنى الابوة والأمومة. وغير ذلك من القصائد والنصوص الأدبية المتنوعة التي تخللت الأمسية المكرسة للشاعر الأديب لطفي جعفر أمان، وأدارها الأديب والناشط الثقافي مؤسس نادي نون وعضو مؤسس في مبادرة آفاق الثقافية أنس خالد بكفاءة واقتدار. وقد سعدت بمنحي فرصة لقول ما لدي من خواطر شعرية بهذه المناسبة فوجدت المقام يتناسب مع خاطرتي ( هل تناسى الفجر موعده؟!) ولا أعرف كيف كان وقعها على إسماع الحضور الكريم؟! على كل حال كانت أمسية ممتعة رغم أن الحضور لم يكن بالمستوى المطلوب .
ولكننا خرجنا من الأمسية بافضل مما دخلناها، فضلاً عن الاستمتاع بالقصائد والنصوص تعلمنا الكثير عن حياة الشاعر الراحل لطفي جعفر أمان المولود في كريتر عدن بتاريخ ١٢ مايو ١٩٢٨، والمتوفي ١٦ ديسمبر١٩٧١ بالقاهرة. وهو رائد المدرسة الرومنسية في الجزيرة العربية، أنتج خمسة دواوين شعرية هي: بقايا نغم عن مطبعة فتاة الجزيرة - عدن 1948. وليالي. عن دار الشعب - عدن 1960،باللهجة المحلية. كانت لنا أيام، عن المكتب التجاري - بيروت 1962، وليل إلى متى؟، عن المكتب التجاري - بيروت 1964، إليكم يا إخوتي، عن المكتب التجاري - بيروت 1969. والدرب الأخضر، عن المكتب التجاري - بيروت 1970.

وهكذا هو الشاعر العدني المبدع لطفي جعفر أمان بعد ٤٦ عاماً من الغياب ينبعث حاضراً في فضاء الإبداع في مدينته عدن وفِي أماكن آخرى من عالمنا المعاصر، إذ من المؤكد أن الفتى لطفي كان قد أفزعه أن تنتهي حياته كما بدأت في أي مكان وكيفما اتفق، فغير بموهبته كل شيء، مدركا أن ضربات السيف تذهب أما ضربات القلم فهي آثار خالدة، فصب رحيق حياته في حروف من النور، واستبدل ضجيجها كلمات لا تمحى، وأحل محل جسده الفاني أسلوباً يدل عليه وصوتاً يحمل اسمه، ومنح ذاته جسماً غير قابل للبلى والاهتراء، ذلك أنه كتب ليس لمجرد الرغبة في الكتابة، وإنما لينحت من المشاعر والأحاسيس والأفكار والكلمات سيموفنية المجد الرفيع هذا.
في ١٦ ديسمبر تتوهج روح لطفي أمان وتنبعث منها خمس فراشات هي دواوين قصائده التي ستخفق بأجنحتها الباذخة الجمال وتحلق في فضاءات الأدب والثقافة الإنسانية، وتطير وتهبط فوق رفوف المكتبات وفِي أروقة الجامعات والمدارس والمعاهد والمنازل والمعارض والمدونات، وتلك الفراشات الورقية الطائرة هي شاعر عدن ورمزها الإبداعي الخالد الذي أبى أن يموت فأضحى مئات الصفحات وملايين الحروف والأفكار المجنحة، إنه يولد من جديد ويصبح أخيراً إنساناً كاملاً متكلما مغنياً مزمجرا ًيؤكد حضوره الفاعل ضد جمود المادة القاسي القاسي، ومكر الزمن القاهر! ولسان حاله يقول للمرة الألف:

على أرضنا .. بعد طول الكفاح

تجلى الصباح .. لأول مرة

وطار الفضاء طليقاً رحيباً

بأجنحة النور ينساب ثره

وقبلت الشمس سمر الجباه

وقد عقدوا النصر من بعد ثورة

وغنى لنا مهرجان الزمان

بأعياد وحدتنا المستقرة

وأقبل يزهو ربيع الخلود

وموكب ثورتنا الضخم إثره

تزين إكليله ألف زهرة

وينشر من دمنا الحر عطره

ويرسم فوق اللواء الخفوق

حروفاً تضيء .. لأول مرة :

بلادي حرة ..


ويحق له اليوم أن يفخر بذاته في حضرة الغياب بلسان حال يقول: ها أنا معكم وفيكم وبينكم وليس ثمة من يستطيع نسياني ولا من يغرقني بالصمت، أنني رمز كبير والرموز خالدة لا تموت، فإذا كان صوتي غائباً، فقد تكفلت بي أصوات آخرى، فأنا في جميع الأفواه لغة عالمية، وأنا في ملايين القلوب والأذهان انتصب فضولاً قابلاً للاتساع، أنا لست موجوداً بعد في أي مكان، أنني موجود أخيراً في كل مكان!
الف رحمة ونور تَغْشَاه في مثواه وبارك الله بالأدباء الشباب في عدن الولادة بالإبداع والأنوار.
ودمتم بخير وسلام.