كتابات

الجمعة - 09 يوليه 2021 - الساعة 08:22 م بتوقيت اليمن ،،،

كتب / الشيخ: حكيم الحسني:

يتصور الكثير من الناس أن الفساد ينحصر في الجوانب السلوكية ونهب الأموال و الأراضي أو أخذ الرشوة، و لا يتبادر الى الذهن أن هناك نوع من أنواع الفساد وهو أخطرها على الإطلاق وهو تخريب العقول و حرفها والذي من خلاله يفسد كل شي.

حين يفسد الوعي تتلوث الحياة، وتنقلب الموازين،وينتشر التسكع على مواقع التواصل، فهناك متسكعون على هذه الصفحات، ليس وراءهم إلا بث التزوير و صناعة الوهم والكراهية وتخدير الناس، بما تقذف به أيديهم من قاذورات الكذب والتخوين و اللمز و الهمز في ظهور الشرفاء و الاستغفال للجماهير.
تعطل الانتماء للوطن و تشوه، ذلك الانتماء الحقيقي الذي فيه التضحية والبذل و الإخلاص دون انتظار المكافأة إلا من رب الأوطان سبحانه و تعالى، فقدنا ذلك حين فسد الوعي و ظهرت مجاميع المفسبكين التي تكتب أي شيء و لا تخجل، بعيداً عن المهنية و تحري المصداقية. نطالع كل يوم فوضى عارمة في هذا الفضاء المفتوح ظهرت من خلاله شخصيات ورقية افتراضية، لا تعمل و لا تترك أحد يعمل، بل و لا تريد العمل، يتزينون بأجمل الكلمات لكنهم في واقع الحياة أصفاراً لأنهم يظنون أن تسويد الصفحات هي قمة الإنجاز والوصول الى الأمجاد.
إن لعبة تشويه الوعي وتزييف الواقع لعبة خبيثة من خلالها يمكن ضرب أي مجتمع، فيصبح مجتمع منتفخ مليء بالشعارات و الصوت العالي، فارغ من العمل و الإنتاج، مجتمع لا يدرك أولوياته و حقوقه و لا يستطيع أن يرتّب متطلباته و مصالحه.
نحن نعيش مرحلة مخجلة مع النخبة وليس مع عامة الناس، فهل يتصور عاقل أن الوضع المأساوي في عدن و المناطق المحررة الى اليوم هناك من يبرّر لأطراف الصراع مسؤوليتهم عن ما يجري من الفساد و التردّي للأوضاع الخدمية، و كل طرف يلوم الآخر، و الحقيقة أن الكل مسؤول بحجم قدرته في إزالة الضرر الواقع على المواطن.

إن سياسة الإفقار و التجويع التي أصابت الشعب اليمني كله كان سببها الوعي المخادِع الفاسد الذي يزور الحقائق ويبرر لصانعي هذه السياسة أنهم خارجون عن الملامة والعتب و المسؤولية، بل إن بعض هؤلاء المغفلين يعيد اللوم على الشعب أنه لا يستحق حقوقه أصلا.

بين إفساد الوعي و إفساد الواقع حبل سري ينتعش به تغيير المبادئ والثوابت الوطنية بأثواب و شعارات مختلفة.
نحن اليوم نتلقى أكبر هزيمة من مفسدي الوعي قبل المفسدين على الأرض، نرى نتائجها على الواقع،فلولا أولئك ما كان هؤلاء.

حاجتنا اليوم الى بث الوعي لمعنى العمل و الإتقان فيه،وإيجاد روح التكافل والتراحم و التعايش في المجتمع، أكثر من حاجتنا الى النزاعات والصراعات والتخندقات والشللية المناطقية والحزبية و الجهوية.

الوعي بحقوقنا كمواطنين مهم نشره لأنه شرط في العقد الاجتماعي مع الحاكم، لكن بث الوعي بالتبرير والنفخ بالمديح للقائد و إخلاء المسؤولية لأي سلطة عليها حق القيام على مصالح المواطن يعتبر إفساد الوعي.
لقد فهم الكثير من مرتزقة وسائل التواصل أن الاستمرار بالعبث والتزوير للوعي هو البضاعة الرائجة و هو الطريق الى المجد والمناصب الافتراضية عند كافة الأطراف السياسية و قد علموا أن هذا الأطراف الافتراضية في الواقع لا مكان لديها للعقلاء أو لمن يمتلك رأياً مؤثراً، و إنما اليوم هي بضائع الشغب والمصارعة والأصوات العالية الجوفاء والعيش في الواقع الافتراضي، فصاحوا ورفعوا صراخهم.

هذه هي البيئة الخصبة التي أشرف التحالف العربي على صناعته مع حلفائه و جمهوره( صناعة المجتمع المجنون).

فكم من وزير أو مدير بدون مؤهلات لا يمتلك مؤهلاً إلا صفحةً على فيسبوك أو حساباً في تويتر، و كم قائد عسكري ليس له بالسلك العسكري نسب و لا سبب، أصبح يقود بسبب التهبيش في مواقع التواصل، و يا الله كم ضحكوا على مغفلين ليصعدوا على ظهورهم بكتابات التجريف للوعي و العقل.

حكيم الحسني.

٢٠٢١/٧/٩م.

الجمعة المباركة.