ادب وشعر

الخميس - 01 ديسمبر 2022 - الساعة 02:25 م بتوقيت اليمن ،،،

تحديث نت/العرب:

شاعر يكتب عن مدن اليمن بروح العاشق (لوحة للفنان مظهر نزار)
يتأثر الأدب بمحيطه وبيئته والأحداث السياسية بشكل أكبر، ففي أوقات الصراعات قد يتحول الأدباء أو الشعراء إلى ألسنة سياسية مع هذا الطرف أو ذاك أو هذه الأيديولوجيا أو تلك، وهذا ما يرفضه الكثيرون ومنهم الشاعر اليمني رفيق الرضي الذي كان لـ”العرب” هذا الحوار معه حول الأدب والوطن ورؤاه للثقافة.

يرى الشاعر اليمني رفيق الرضي أنه يحارب قبح الحرب من خلال القصيدة، كما يؤكد أنه من خلال الشعر بنمطه الغنائي والشعبي يحاول مخاطبة أطفاله لجرهم بعيدا عن دوامات العنف والتطرف، نحو السلام الداخلي وظلال الخير والجمال.

وفي حديثه لـ”العرب” حول دور الثقافة، يرى الرضي أن للثقافة دورا تنويريا بات مفقودا اليوم في ظل الاصطفافات السياسية والطائفية التي تجتاح المنطقة.

رسالة سلام

رفيق الرضي: الثقافة والأدب يساعدان المجتمع في الحفاظ على الوسطية
يقول رفيق الرضي “الثقافة رسالة غاب دورها التنويري، ورُبما فقدت الإرادة واستسلمت للأحداث المُتسارعة التي شهدتها المنطقة خلال العشر سنوات الأخيرة، ووجد المثقفون والأدباء أنفسهم مجردين من أي حماية وفقدوا حتى النزر اليسير من الدعم الرمزي والقيمة المعنوية التي كان يمثلها مفهوم الدولة والذي كان يحفزهم إلى حد ما للقيام برسالتهم ودورهم في إرساء ثقافة هادفة ترتقي بالإنسان أولا، وتُسهم في تطوير ورفع المستوى الثقافي في المجتمع”.

احتفل الرضي في معرض الشارقة الدولي للكتاب، في دورته الأخيرة، بإطلاق أحدث أعماله الشعرية، والمتمثل في ديوانيه بعنوان “راعي الذود” وهي تجربة تمزج بين الشعر الغنائي والشعبي، في مضامين أدبية تميل إلى الطابع الغزلي والوطني بعيدا عن موجة الأغاني والقصائد الشعبية التي تمجد الحرب والصراع في اليمن، والتي تحولت إلى سمة تكاد تطغى على الشعر الشعبي عموما.

ويشير الرضي إلى أن الكثير من المُثقفين اليمنيين وجدوا أنفسهم دون إدراك يتبنون أفكارا سياسية متطرفة، مما أفقدهم ثقة المجتمع وخاصة في ظل النظرة إلى المُثقفين إما أنهم لم يقدموا شيئا أو أنهم يعيشون في أبراج عاجية بعيدا عن الواقع والمجتمع.

وعن رؤيته للشعر الغنائي اليمني، يضيف “الشعر الغنائي الذي يُعتبر مُتنفسا، يتغنى به أبناء الريف قبل المدينة، ويعبر عن الهوية الثقافية الوطنية، ولا ننسى الدور الكبير الذي قام به رواد هذا المجال في التعريف بالثقافة والفن اليمني في الدول المجاورة والمنطقة، لتتميّز بعض الألوان وتأخذ مكانة رائدة في وجدان المُتلقي العربي”.

وعن أسلوبه كشاعر غنائي والمواضيع التي يتطرق إليها، يتابع “في الغالب فإن أغلب نصوصي الأخيرة تتحدث عن الريف وتقدم صورة لما فيه، وبطريقة تعكس جمالية الريف اليمني وتنوعه الثقافي والأدبي، ومن خلال مُعايشتي للعديد من الأدباء والمثقفين من مختلف مناطق اليمن، وما عزز ذلك فرصة زيارتي لكافة محافظات اليمن تقريبا، والتي من خلالها أستشف الروح اليمنية البسيطة والعفوية والصادقة”.

ويقول الرضي إن للشعر رسالة سامية، مشيرا إلى أنه لا يزال يحتفظ بمكانته في التعبير عن هوية المُجتمعات العربية وثقافتها، مضيفا “مع التغيُرات التي تشهدها المُجتمعات يتغيّر جوهر الشعر ورسالته، وتعتبر القصائد الغنائية ما يُظهر هذا الجانب، فما يُكتب في أوقات الرفاه لا يُكتب في أوقات الحروب، وطالما للشعر رسالة فإن دوره الأساسي من وجهة نظري أن يحاول التخفيف من المُعاناة والوجع والألم، ولو ببضع دقائق يستمع فيها إلى الكلمات التي تُصاحبها الموسيقى، وفي الغالب تحول الشعر إلى غاية في حد ذاته لا رسالة، وهذا ساهم في النظر إليه على أنه شيء ثانوي في حياة المواطن الصعبة”.

الأدب والسياسة

سلام داخلي
في رأي قد لا يتقف معه الكثير من الأدباء، يعتبر الشاعر اليمني رفيق الرضي أن التأثير السياسي يفقد الشعر أو الأدب عموما الكثير من جودته ونقائه، مؤكدا أن الأديب يُفترض أن يبتعد عن عوالم السياسة وأجوائها المحملة بالتعصب، وأن يتفرغ للتعبير والتجديد والإبداع، لا أن يكون أداة ووسيلة بيد السياسي، ليستعيد الشعر مكانته في المجتمع، ويقل عدد الشعراء بينما تسمو الرسالة والهدف.

ويستدرك “لا يعني ذلك أن على الشاعر أو المُثقف عدم القيام بأي دور سياسي، لكن يجب أن يكون ذلك في إطار إيصال الرسالة التي يعجز السياسي عن توصيفها، وفي نفس الوقت أرى أن الثقافة والأدب يمكنهما مساعدة المجتمع في المحافظة على الوسطية، رسالة التسامُح والاعتدال بعيدا عن مواقف السياسيين التي تكون في أوقات محددة موجهة لخدمة أغراض سياسية آنية في بعض الأحيان، بينما رسالة المُثقف والأديب رسالة إنسانية هدفها وغايتها أولا الرُقي بالمُجتمع فكرا وثقافة، وما وجد الأدب والشعر إلا للتعريف بالشعوب وثقافاتها”.

يحتل الوطن أو القصائد الوطنية مساحة كبيرة في نصوص الشاعر الرضي، وقد بدا ذلك في ديوانيه الأخيرين بشكل لافت، وحول هذه التجربة يقول لـ”العرب” “في قصائدي كتبت عن الوطن بروح العاشق، وكتبت عن صنعاء وعدن وحضرموت، كتبت عن الهوية الواحدة والهوى الذي يسمو فوق الأهداف الشخصية والحزبية، كتبت للتسامي على جراح الماضي والأمة، التسامُح والحوار، كتبت عن حضارات سبأ وحضرموت، كتبت عن المُعاناة الوجدانية والحياتية، وتناولت مكانة المرأة لا بوصفها مسؤولة عن البيت فقط، بل بصفتها مسؤولة عن الحياة ومصدرا السعادة والعطاء”.

وفي ختام حديثه، يحذر الشاعر اليمني من خطر التحولات الفكرية التي ضربت المجتمع اليمني وأحيت نمطا جديدا من ثقافة العنف والصراع، ويقول”مع ما شهدته السنوات الأخيرة من هزات كبيرة في المجتمع اليمني، ظهرت ثقافة مُتطرفة تستهدف النشء وتحاول توجيهه نحو المواقف المُتشددة والمُتطرفة التي لا تؤمن بالآخر وحقه في التعبير بحرية، بل وغرس مفاهيم أعتبرها خطرا وجوديا على قيم الشعب اليمني الأصيل، التي تحمل في طياتها ما عُرف عن اليمني من تسامُح وما اشتهر به من حكمة، وما تميّز به اليمني من قوة منطق وبيان، عوضا عن التجريف لتاريخ وحضارة وأصالة اليمن الذي يرى في عمقه العربي سر الحياة، وشريان الأمل”.