عربي ودولي

السبت - 06 مايو 2023 - الساعة 10:00 ص بتوقيت اليمن ،،،

تقرير - محمد مرشد عقابي

مرت العلاقات الأميركية - السودانية طوال تاريخها بفترات إقبال وإدبار عن الأولويات الأميركية، فتارة كانت واشنطن تنشط من خلال المنظمات الدولية وغير الحكومية في صنع الأقليات ليتصدى بعدها الدبلوماسيون لإذكاء الصراعات، وطوراً تفرض عقوبات اقتصادية شاملة على الشعب السوداني الذي يعاني أصلاً من نهب ثرواته ومقدراته بحسب ما أكدته الكثير من التقارير.

وطبقاً لمراقبين، فإن تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة والسودان يشير إلى أن واشنطن في منتصف القرن الماضي كانت حريصة على الاستثمار في السودان على شكل مساعدات للشعب السوداني أو على شكل مشاريع استثمارية، وليس غريباً، بالنظر إلى تاريخ الولايات المتحدة مع الدول النامية وأسلوبها المتكرر في نهب الشعوب وتفخيخ الأنظمة للحفاظ على النفوذ، أن السودان بعد كل تلك الجهود، هو اليوم بلد مفكك ولا ينتهي من الصراعات، ويقول موقع الخارجية الأميركية إن العلاقات الدبلوماسية الأميركية مع السودان بدأت في عام 1956 في أعقاب إعلان استقلال السودان عن الإدارة المصرية البريطانية المشتركة، وهذه هي الصياغة الأخرى لفكرة أن الولايات المتحدة، قد ورثت استعمار السودان بعد الاستعمار البريطاني، كانت واشنطن مهتمة مبكراً، وقبل أن تكتشف الدول الخليجية ذلك، بالأراضي الزراعية السودانية، والبترول السوداني، كما أرسلت الولايات المتحدة في مارس/آذار 1954 مندوباً للمساهمة في الإشراف على أول انتخابات في السودان.

وأدرجت الولايات المتحدة عام 1957، السودان ضمن برنامج المعونات التي وصلت إلى 50 مليون دولار عام 1961، إلى أن قطع السودان علاقاته الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، إثر اندلاع الحرب العربية - الإسرائيلية في الخامس من يونيو/ حزيران، وتوترت العلاقات أكثر لدى الانقلاب الذي قاده جعفر النميري في مايو/أيار 1969، ففي مناخ الحرب الباردة كان الانقلابيون أقرب إلى الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية، بيد أن المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها الحزب الشيوعي السوداني في عام 1971، قادت إلى تحول جوهري من النميري نحو الولايات المتحدة، فأعيدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1972، وبات السودان يحظى بدعم أميركي سخي، إذ يشير موقع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID إلى أنها ظلت تحتفظ إلى أواخر الثمانينيات بأكبر بعثة لها في جنوب الصحراء الإفريقية هناك.

ويرى محللين، أنه وعلى الرغم من اغتيال السفير الأميركي على يد الفلسطينيين عام 1973، حافظت واشنطن على علاقاتها بالخرطوم، مع إجراء وحيد وهو سحب السفير الأميركي وعودته بعد عدة أشهر، وبحسب موقع السفارة الأميركية في الخرطوم كان السودان في تلك الفترة أكبر بلد متلقٍ للمساعدات التنموية والعسكرية في بلدان جنوب الصحراء الإفريقية، ولم تكن الولايات المتحدة لتتغاضى عن اغتيال أحد دبلوماسييها وهي التي كانت تقوم بعمليات علم زائف من هذا النوع لتشن حروباً على الدول، إلا أن ما بدأته واشنطن في هذا البلد المليء بالثروات، وخاصة النفط الذي كان يهمها كثيراً في تلك الفترة، لم يكن من مصلحتها أن يتوقف أو ينقطع، وكانت الإدارات الأميركية في تلك الفترة تعمل على تقسيم الشعب السوداني تحت أي حجة، وحتى ضمن نفس العرقيات، وتمكن النخب الفاسدة من الحكومات التي من شأنها أن تبقي الدولة ضعيفة، وتضع قوانين للنهب ليصبح مشروعاً، وبرزت في السودان ثمة حركات قومية ومثقفة كانت ناشطة ولها شعبية، لكنها لم تتمكن من السلطة إلا قليل.

وتصاعدت التوترات في مرحلة العقوبات الاقتصادية
بعد عام 1985، عندما وقفت الخرطوم إلى جانب ليبيا التي قصفت عاصمَتها الطائرات الأميركية، ثم وصلت التوترات ذروتها إلى حد تعليق الولايات المتحدة مجمل مساعداتها للسودان، في أعقاب الانقلاب العسكري الذي قاده عمر البشير بالتعاون مع الجبهة الإسلامية بقيادة حسن الترابي في عام 1989، وزاد تدهور العلاقات مطلع التسعينيات إثر دعم السودان لجماعات إسلامية متشددة وغير متشددة وإعلان وقوفه مع العراق في غزوه للكويت ومعارضته للتدخل الأميركي في المنطقة، وفي عام 1993 صنفت الولايات المتحدة السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب وفرضت عليها العقوبات وظل اسم السودان على هذه القائمة الأميركية حتى يومنا هذا، وعلّقت لاحقاً عمل سفارتها في الخرطوم في عام 1996.

وأبدى السودان منذ عام 2000 وبحسب موقع السفارة الأميركية في الخرطوم، تعاوناً في مكافحة الإرهاب لا سيما بعد هجمات أيلول 2001، وفي هذا العام استحدثت إدارة بوش الإبن منصب مبعوث رئاسي خاص للسلام في السودان تولاه أكثر من دبلوماسي أميركي، وعادت الولايات المتحدة التي رعت الانقسام الأهلي في السودان، عادت بعد أكثر من عقدين من الحرب الأهلية، وقامت بدفع اتفاقية السلام الشامل التي مهدت لاستفتاء انفصال جنوب السودان وقيام دولة جنوب السودان (وهي الأراضي الغنية بالنفط) في عام 2011، وخلال ولاية أوباما عام 2009، تم رفع العقوبات بهدف "تشجيع مكافحة الإرهاب"، على أن يخضع لمراجعة سنوية.

وتحسنت العلاقات بين واشنطن والخرطوم منذ الإطاحة بعمر البشير في أبريل/ نيسان 2019 وتشكيل حكومة انتقالية مدنية في أغسطس/ آب، إلى أن عادت السودان إلى مرحلة الانقلابات في عهد بايدن المأزوم اقتصادياً بالديون الأميركية، والمأزوم عالمياً بإزالة الدولرة، حيث قامت القوات المسلحة بالانقلاب مجدداً عام 2021، ثم حصل انقلاب على الانقلاب في 2023، وبالرغم من أن الأحداث توحي بأن ما قامت به الولايات المتحدة، هو انسحاب من ممارسة النفوذ المباشر على السودان لأكثر من عقدين، إلا أن التقديرات تشير بأن الإدارة الأميركية، كانت فقط قد علقت السودان خارج سلم أولويات علاقاتها الخارجية لحين الحاجة وفرضت ما يسمى بالعقوبات الاقتصادية للتنصل من التزاماتها تجاه هذا البلد.