ادبــاء وكُتــاب


03 يونيو, 2017 05:00:07 ص

كُتب بواسطة : عيدروس النقيب - ارشيف الكاتب


بعد العام ١٩٩٤م شهدت الحركات الدينية السياسية بمختلف اتجاهاتها السلفية والصوفية والإخوانية والجهادية امتدادا ملحوظا في محافظات الجنوب وقد ساهم الكثير منها مساهمة حاسمة في اجتياح الجنوب وتدمير دولته وتمكين نظام ٧/٧ من ترسيخ سطوته على الجنوب وممارسة مختلف السياسات الجائرة بحق الجنوب والجنوبيين على مدى ما يقارب ربع قرن من السنين العجاف.
وقد ظلت معظم تلك الاتجاهات محتفظة بارتباطاتها بمراكزها في الشمال في صنعاء غالبا وفي صعدة وذمار والحديدة وهو ما يعني أنها لم تكن سوى فروع للامهات الممتثلة لـ(ولي الأمر) في صنعاء والخاضعة لأوامره.
لسنا بصدد جرد حساب تلك السنوات بيد إنه يمكن الإشارة إلى متغيرين هامين طرأا على المشهد السياسي في الجنوب دفعا ببعض تلك الحركات وعلى وجه الخصوص الحركة السلفية إلى اتخاذ مواقف جذرية مختلفة (وأحيانا متصادمة) مع الحركة الأم في صنعاء، هذان المتغيران هما:
المتغير الأول ويتمثل في اندلاع الثورة الجنوبية السلمية وتنامي حركة التصالح والتسامح التي ما تزال تقدم عروضها لكل من وقفوا في وجه الجنوب وساهموا في صناعة نتائج حرب ١٩٩٤م المقيتة.
والمتغير الثاني هو الغزو الثاني في ٢٠١٥م الذي دفع إلى الواجهة بقوى وتيارات سياسية وفكرية وحركات شعبية كان لها دورا مهما في مقاومة الغزو ودحر الغزاة وهزيمة مشروعهم الإجرامي التوسعي.
وقد كانت الحركة السلفية واحدة من تلك القوى التي أبلت بلاء حسنا بجانب مختلف مكونات الحراك السلمي الجنوبي والجماعات العسكرية من المتقاعدين والمبعدين قسرا منذ ١٩٩٤م في معركة مواجهة الغزو الانقلابي وقدمت مئات الشهداء والجرحى والمفقودين ما منحها مكانة لائقة في خريطة القوى السياسية الجنوبية.
لا شك ان جريمة الحوثيين في دماج وما نجم عنها من ترحيل مئات السلفيين الذين كان الكثير منهم قد استقر وتزوج وانجب هناك واعتبر نفسه في وطنه قد ساهمت في تجذير المواقف الجديدة للحركة السلفية وجاءت معركة الدفاع عن محافظات الجنوب لتضع السلفيين الجنوبيين امام اسئلة محيرة حول موقفهم من سياسات الحركات الأم التي بدت في معظمها متناغمة مع العدوان وبصورة أدق مشرعنة للغزوين الاول والثاني الذين تعرض لهما الجنوب خلال عقدين من الزمن.
واليوم في ظل المعطيات التي انتجهما الغزو الثاني وهزيمته التي ساهمت فيها كل الحركات والتيارات والقوى السياسية والفكرية والشعبية الجنوبية تبرز امام هذه القوى والتيارات تحديات عديدة.
وحيث إننا بصدد تناول التحديات الماثلة أمام الحركة السلفية الجنوبية فأنه يمكن تناول أهم تلك التحديات المتمثلة في:
١. القبول بمبدأ الشراكة مع المختلفين معها وهو ما يطرح السؤال الرئيسي التالي: هل ستقبل الحركة السلفية بالعمل مع المختلفين معها فكريا وسياسيا من الصوفيين والإخوانيين ثم من القوميين واليساريين؟ فعلى الإجابة على هذا السؤال يتوقف مستقبل هذه الحركة وقدرتها على استلهام متطلبات المراحل اللاحقة وتحدياتها.
٢. السؤال الثاني وهو متفرع عن السؤال الاول ويتعلق بالقبوك بالتنوع والتعايش والاختلاف والتباين؟ وهذا السؤال ينطلق من طبيعة تكوين المجتمع الجنوبي الذي لم ينشأ ولم يتكون ويتطور إلا متنوعا ومتعددا حتى في أشد ظروف الاحادية.
٣. التخلي عن مبدأ الوصاية على ضمائر الناس ومعتقداتهم فقد عرف عن الكثير من الوجوه السلفية إصدار الفتاوي التي تتضمن التكفير والاتهام بالردة للكثير من المختلفين معها بما في ذلك المتدينين الذين يطالبون باستعادة الدولة الجنوبية.
وباعتقادي ان مناقشة القضايا السياسية بعيدا عن حشر الدين فيها سيقدم السلفيين كحركة قابلة للتوجه نحو المدنية والقبول بالعمل مع الآخر.
٤. التخلي عن مبدأ الطاعة العمياء لولي الامر ذات الجذور الثيقراطية والتي طالما استخدمت مبررا لخدمة الطغاة وتبرير طغيانهم وتصوسؤه وكأنه قدر إليهي لا مفر منه، وهو ما يقتضي الجهر برفض الظلم والدعوة إلى الحق ومناصحة الحاكم الظالم ومواجهته عند الضرورة.
٥. الفصل بين قضايا الحكم والعلاقات السياسية والمشاكل الاقتصادية وكل ما له صلة بالامور الدنيوية وبين قضايا العقيدة والإيمان التي ينبغي تنزيهها من ملوثات السياسة ومكرها وبالتالي التعامل مع القضايا الدنيوية من منطلق القوانين والتشريعات الارضية التي ليست بالضرورة بمعزل عن متطلبات الشريعة الإسلامية التي يتمسك بها كل الشعب الجنوبي من اقصاه الى اقصاه.
في تصوري أن اندماج الحركة السلفية في المجتمع الجنوبي وقدرتها على الرد بديناميكية وحيوية على هذه الأسئلة سيمكنها من المساهمة الفعالة في الحياة السياسية الجنوبية التي تحتاج إلى الثراء والتنوع وتعايش المتباينين وتكامل المختلفين.
اما في حالة الاستمرار بالتمسك بتعاليم السلف بما فيها من تشدد ووصاية ونزعة ادعاء احتكار الحقيقة فإن من شأن ذلك أن يساهم في عزل هذه الحركة وحرمان الحياة السياسية الجنوبية من طرف سياسي مهم لا يمكن تجاهل حضوره.
والله من وراء القصد.