آخر تحديث :الجمعة-11 أكتوبر 2024-09:54م

تحليلات سياسية


قبائل شمال اليمن بين حقبة صالح وعهد الحوثيين

قبائل شمال اليمن بين حقبة صالح وعهد الحوثيين

الإثنين - 21 فبراير 2022 - 05:57 ص بتوقيت عدن

- تحديث نت | دراسة بحثية ل مركز صنعاء للدراسات-عادل دشيلة



لطالما كان دعم قبائل شمال اليمن عاملًا تاريخيًا حاسمًا في مقدرة الحكومة المركزية بصنعاء على الحفاظ على سلطتها.

خلال فترة حكم الإمامة الزيدية، أي نظام الحكم الديني شمال اليمن الذي وصل إلى نهايته عام 1962، وظف حكام اليمن وأئمته -حينذاك -مكانتهم الاجتماعية، أي كونهم من آل بيت رسول الله محمد، لتأمين الدعم من أهم اتحاديين قبليين في الشمال، أي حاشد وبكيل، قبيلتين ذات تاريخ طويل من التنافس. يبيّن ذلك مدى اعتماد الأئمة والحكام بشكل كبير على قبائل الشمال، وأشهرها القبائل المحاربة حاشد وبكيل، وتُعرفان بالجناحين. “كانت هذه كلمات السياسي القومي الراحل أحمد محمد نعمان في مذكراته “إنهما معروفتان بالجناحين”.

رغم ذلك، بدأت الأساليب المتبعة من أجل كسب ولاء القبائل في التغيّر بعد نشوء الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) في سبتمبر 1962، إذ وجدت الحكومة حينها -التي لم تعد تدّعي شرعيتها على أساس ديني -أنه من الضروري البحث عن استراتيجيات لكسب ولاء تلك القبائل. نجحت معظم الحكومات في ذلك، عدا حكومة الرئيس إبراهيم الحمدي بين عامي 1974 و1977، الفترة التي اتسمت بصراع بين نظام الحكم وقبائل شمال اليمن، الصراع الذي أسهم في نهاية المطاف بسقوط نظام الحكم. بعدها ومع صعود علي عبدالله صالح إلى سدة الحكم وتوليه السلطة عام 1978، تبنّت الحكومة موقفًا مغايرًا مبنيًا على إدراكها بأن القبيلة يجب أن تُعد “المكون الرئيسي للمجتمع اليمني … وأنها من أهم العوامل التفسيرية للواقع الاجتماعي والسياسي اليمني”.

“إذا ما كانت هناك رغبة في إرساء نظام حكم مستقر في دولة حديثة، وهكذا تحول النظام السياسي وقتها من استخدام العنف ضد القبائل إلى تبني وسائل سلمية لكسب ولائها”.

أدركت جماعة الحوثيين المسلحة أهمية قبائل الشمال لمن يسعى إلى حكم صنعاء، إذ تمثل مخزونًا بشريًا هائلًا من المقاتلين الممكن تجنيدهم مستقبلًا.

و تنبهت الجماعة إلى أن ثورة 1948 ضد الإمامة -وهي من ثورات التاريخ الحديث -باءت بالفشل؛ لوقوف القبائل حينها إلى جانب الأئمة ودعمتهم، وأن نجاح الثورة التي تلتها، ثورة سبتمبر 1962، كان بسبب انحياز القبائل إلى جانب الجمهوريين، وأن إجبار ثورة فبراير 2011 صالح على التنحي عن السلطة بسبب دعم القبائل واحتشادها في ساحات الثورة.

كانت نتيجة هذا الإدراك والفهم أن تصبح إحدى أولويات جماعة الحوثيين استخدام مجموعة متنوعة من الوسائل الثقافية، إضافة إلى القوة المسلحة، لإخضاع القبائل واستخدامها لتوطيد سلطتهم.

تقدم هذه الورقة مقارنة بين الاستراتيجيات التي اتبعها نظام صالح والحوثيون للسيطرة على قبائل الشمال والاستفادة منها، وجوانب نجاحها وفشلها. وتدرس على وجه التحديد اهتمام نظام صالح بكسب الولاءات القبلية من خلال التكامل والشمول السياسي، وتنظر في قيام الحوثيين بالنقيض من ذلك من خلال تركيزهم على الأدلجة والعسكرة في نهجهم.



•كيف حاز نظام صالح على ولاء القبائل

كان صالح أحد أفراد القبائل وتحديدًا من أحد فخوذ اتحاد قبائل حاشد، وحصل على دعم القبائل بسبب فهمه لديناميكيات القبيلة اليمنية. من بين القيادات القبلية التي ضمها صالح إلى صفه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر (1932-2007)، زعيم اتحاد قبائل حاشد، والشيخ ناجي بن عبدالعزيز الشايف (مواليد 1941)، والشيخ سنان أبو لحوم (1922-2021)، وهما من أبرز الشخصيات في اتحاد قبائل بكيل. ما عنته معرفة صالح بسيكولوجيا القبيلة، وعقلية مشايخها، وبنيتها الاجتماعية، وأدوار رجال القبائل وقدراتهم، هو أن القبائل اعتبرت صالح واحدًا من أبنائها وشعرت بواجب دعمه. ركز صالح على احتواء هذه القوى عبر الحفاظ على علاقة مرنة قائمة على سياسة حذرة لتضمين القيادات القبلية في هيكل السلطة الحاكمة لطمأنتهم بأن مصالحهم في الحفظ والصون.

عُيِّن الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيسًا للبرلمان بعد الانتخابات النيابية الأولى عام 1993، وشجع صالح ودائرته الداخلية المشايخ من مختلف مستويات التسلسل الهرمي للقبيلة على الترشح لشغل مناصب عضوية البرلمان، وكذلك مجلس الشورى والمجالس المحلية، وبهذه الطريقة انتقلت العديد من مقاعد البرلمان في المناطق القبلية إلى شيوخ القبائل. ومن ثم، كان نظام حكم صالح نظامًا قبليًا تقليديًا، رغم أنه بدا في ظاهره سياسيًا مؤسسيًا وتمثيليًا. كان للعادات القبلية دور في تحديد العلاقة بين القبيلة والدولة ووضعها ضمن المفهوم السياسي وهياكل الحكم، أي النظام البرلماني.

وضُم بعض رجال قبائل حاشد وبكيل ومشايخها في الجيش، ومن بينها كمثال قبائل حجور، وآنس، والحيمتان، وهمدان، وبني الحارث، وخولان، وسنحان (التي ينتمي إليها صالح) وآخرون، بعضها طوعًا والآخر ضمن برامج الخدمة العسكرية الإجبارية بعد مرحلة الثانوية.

علاوة على ذلك، مُنح مشايخ القبائل درجة كبيرة من الاستقلالية في مناطقهم، ما سمح لبعض المشايخ بتسوية القضايا الجنائية والاجتماعية دون تدخل الدولة. صحيح أن قيام القبيلة بحل الخلافات وتنظيم العلاقات بين أفرادها خففت من أعباء تلك الشؤون على الدولة، لكنها في الوقت ذاته أضعفت أيضًا سلطة الدولة لصالح القبائل. وتأسست هيئة شؤون القبائل في الثمانينيات، وخصصت رواتب شهرية لشيوخ القبائل لضمان استمرار ولائهم. من الواضح إذن أن شيوخ القبائل حققوا مكاسب سياسية ومالية كبيرة في ظل نظام صالح.



•عوامل إضعاف التضامن القبلي في عهد صالح

مع انخراط القبيلة في النظام السياسي البرلماني التعددي المُتبنى بعد وحدة البلاد عام 1990، تبدد المفهوم القديم للقبيلة تدريجيًا؛ باعتبارها سمة سلبية للمجتمع وتميل أكثر نحو الانقسام، وتقوّض بطبيعتها سلطة الدولة.

أصبحت القبائل منخرطة بشكل كبير في الساحة السياسية، لكنه كان معيبًا وأصبح يشكل تهديدًا للتماسك القبلي ذاته. يرجع ذلك إلى أن أفراد القبائل، الموزعين في الأحزاب السياسية -التي كانت إلى حد كبير أحزاب أيديولوجية الطبيعة وليست ممثلة للمصالح القبلية في حد ذاتها -بدأوا في تطوير ارتباطات حزبية استبدلت بشكل فعّال العصبية القبلية بولاء جديد للأحزاب. أصبح مشايخ القبائل أنفسهم متخوفين من هذه الحزبية الجديدة، معتبرين إياها تهديدًا مباشرًا لتماسك القبيلة، حيث أقر الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، وهو نفسه عضو مؤسس في حزب الإصلاح الإسلامي ورئيسه حتى وفاته في عام 2007، بذلك في مذكراته، حيث كتب قائلًا إن “التحزب أثر على تماسك القبيلة. كان الخطر طويل الأمد هو تفكك القبيلة نفسها.

أحد الأسباب التي تنذر بتفكك القبيلة هو أن شرعية بعض شيوخ القبائل ارتبطت بالسلطة في صنعاء ولم تعد تنبثق من داخل القبيلة نفسها، مع الروابط المعقدة بين شيخ القبيلة وأفرادها التي تمثل شكلًا من أشكال العقد الاجتماعي. يجتمع رجال القبائل عادةً ويتشاورون فيما بينهم لتعيين شيخهم بالإجماع وفقًا لهذا العقد الاجتماعي. يصبح شيخ القبيلة جبهة وممثلًا لها بين القبائل الأخرى. تنص أبرز بنود هذا العقد على وجوب التزام شيخ القبيلة بأعراف القبيلة، وأن يكون ذي عقل وحكمة ومشهودًا له بخبرته في حل الخلافات القبلية، ويعمل بطريقة تحافظ على مصالح القبيلة، وأن يظهر صفات القائد مثل الكرم، والشجاعة والنُبل.

تسببت الدولة بدعمها المالي والسياسي لبعض الشخصيات القبلية على حساب الشيوخ القبليين التقليديين في إضعاف سلطتي القانون والقبيلة معًا. وباعتبار كاتب هذه الورقة البحثية أحد أبناء هذه القبائل، فقد لاحظ أن الدعم المقدم في عهد صالح كان على حساب اهتمام النظام بالقاعدة الشعبية داخل القبائل والتركيز عليها، وهو الأمر الذي جعل رجال القبائل يشعرون بأن النظام السياسي لم يكن مهتمًا سوى بالمصالح السياسية والقيمة الرمزية التي سيتم استخلاصها من علاقة النظام بكبار الأطراف القبلية وليس اهتمامه برفاه المجتمع القبلي نفسه.

شعر رجال القبائل بأنهم معزولون عن القيادات القبلية من جانب وعن الحكومة من جانب آخر، وبالتالي قرر بعضهم الهجرة إلى البلدان المجاورة، في حين انجذب آخرون إلى الجماعات المسلحة مثل جماعة الحوثيين مع نموها أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. انضم العديد من رجال القبائل الأفقر إلى الجيش، في حين عمل آخرون في الزراعة كمهنة، وتابع عدد قليل منهم تعليمهم العالي. لكن انتهى الأمر بالغالبية العظمى منهم بلا وظائف، ما أدى إلى مشاكل اجتماعية مثل الانتفاضات القبلية وانتشار التقطع في الطرق السريعة. انتشرت هذه الظواهر نتيجة غياب مؤسسات أمن الدولة في المناطق القبلية، الأمر الذي عزز بدوره اللجوء إلى العنف لاستعادة الحقوق. كما أعاق عدم اهتمام الشيوخ الذين يمثلون مناطقهم في البرلمان والمجالس المحلية والمؤسسات الحكومية الأخرى بتنفيذ مشاريع تنموية في تلك المناطق، وتتضمن تلك المشاريع المهملة توفير الخدمات الأساسية في مناطقهم وتمدين المجتمعات القبلية، الأمر الذي أصبح عاملًا آخر في كل من تفكك القبيلة وإضعاف سلطة الدولة.

من العوامل الأخرى التي أضعفت التماسك القبلي في المناطق الشمالية، سعي الدولة بين عامي 2004 و2010 لعسكرة القبائل لمواجهة جماعة الحوثيين، على الرغم من وجود الجيش وقوات الأمن. انضم العديد من أفراد قبائل مثل حاشد وآنس وحجور وسفيان وهمدان وآخرون إلى معسكرات الدولة، رغم افتقارهم إلى التدريب لمواجهة قوة عسكرية عقائدية مثل جماعة الحوثيين. أدت هذه المعارك إلى مقتل العديد منهم.

لم تكن هذه السياسة جديدة، إذ غالبًا ما عمدت الدولة اليمنية إلى حشد مقاتلين قبليين لمساندة الجيش الضعيف في حروبها المحلية المتعددة.

عندما اندلعت الثورة لأول مرة عام 2011، انحازت كل قبيلة إلى طرف أو جماعة سياسية التي رأت مصلحتها فيها. كانت التركيبة الداخلية للقبائل وقتها في حالة متدهورة بشكل ملحوظ، واتضح ذلك من خلال انخراط أفرادها في الصراع السياسي بشكل مباشر. أشعل الصراع بين النخبة السياسية في صنعاء الصراع بين القبائل وخاصة في المناطق الشمالية، وجعل هذا القبائل عرضة للاستغلال من قِبل الأحزاب السياسية المعارضة والحزب الحاكم، لأسباب كأن شيوخ القبائل كانوا أكثر اهتمامًا بالحفاظ على مصالحهم الشخصية. أثرت هذه الخلافات على التماسك الاجتماعي في القبيلة والولاء لها. كانت القبيلة إذن مؤسسة اجتماعية ضعيفة بالفعل عندما تمكنت جماعة الحوثيين من بسط سيطرتها على النظام القبلي بأكمله في المناطق الشمالية.

خلال صعود الحوثيين، كانت الجماعة قادرة على التلاعب بالعصبية القبلية والتنافس بين القبائل في الفترة التي سبقت سيطرتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014. في أذهان الكثيرين، لطالما كانت قبيلة حاشد مرتبطة بالحكومة خلال سنوات حكم صالح، وبالتالي تمكنت قيادات الحوثيين من الحصول على دعم كبير من قبائل بكيل. “تأثرت القبائل بتوجهات قادتها أو مشايخها كمراكز قوى. على سبيل المثال، انحازت بكيل إلى الحوثيين نتيجة خصومتها التاريخية مع حاشد، كما كتب الباحث أحمد العرامي.

في نهاية المطاف، اجتاحت قوات الحوثيين مناطق القبائل التي كانت تقاتل إلى جانب الدولة، وأخطأت الدولة عندما لم تقف مع أبناء تلك المناطق، بل أرسلت بدلًا من ذلك وسطاء عشائريين، وكأن الحرب كانت بين جماعة الحوثيين والقبائل.

كما روّج الحوثيون لهذه الرواية، على سبيل المثال، عندما اندلع القتال بين قوات الحوثيين وقبائل العصيمات في منطقة دنان بعمران عام 2013، صوّرت جماعة الحوثيين الصراع على أنه بين قبيلتي العصيمات وعذر (فخذين من فخوذ قبيلة حاشد). ردًا على ذلك، شكلت الدولة لجنة وساطة لحلها.

بمجرد أن سيطر الحوثيون على صنعاء، وجد رجال القبائل الذين انخرطوا في الأحزاب السياسية أنفسهم في موقف صعب، وتخلى البعض منهم عن انتمائه السياسي ظاهريًا، وعادوا إلى مناطقهم القبلية في الريف ولم يعارضوا الحكام الجدد خوفًا على حياتهم. في حين رفض آخرون البقاء تحت سلطة الحوثيين، واختاروا إما مغادرة اليمن أو الاستقرار في مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا مثل مأرب وتعز والمهرة وشبوة ووادي حضرموت. سُجن بعض ممن انضم إلى الحوثيين لاحقًا بسبب تعبيرهم عن رفضهم لسياسات الجماعة أو بسبب أنشطتهم السياسية السابقة.



•حيلة الحوثيين لإخضاع القبائل

ضعفت القبائل والدولة نتيجة أحداث 2011 واتساع سيطرة الحوثيين من صعدة باتجاه المناطق القبلية في عمران بالقوة العسكرية. حركة الحوثيين ليست قبيلة في حد ذاتها، بل هي حركة عقائدية لإحياء الزيدية بقيادة عائلة الحوثي ونواة من المتعاطفين من القبائل (بما في ذلك بعض من بكيل وحاشد) في محافظات الشمال مثل ذمار، وحجة، وصنعاء، وعمران، وصعدة، والمحويت.

في عام 2012، استخدمت الحركة الحوثية ورقة القبائل لتعزيز مكانتها الاجتماعية من خلال تقديم نفسها كبديل للدولة، واستغلت الخلافات السياسية السائدة بين القبائل، لا سيما داخل حاشد التي انقسمت بين مناصري الشيخ صادق الأحمر وحزب الإصلاح واللواء علي محسن الأحمر من جهة، ومناصري الرئيس صالح من جهة أخرى. استغلت جماعة الحوثيين هذا الانقسام واعتمدت استراتيجية هجومية استهدفت المناطق الأكثر تهديدًا والأعلى أهمية من الناحية الاستراتيجية.

إضافة إلى ذلك، نجحت جماعة الحوثيين في تحييد معظم قبائل بني صريم حاشد من خلال اتفاق قبلي تقليدي يعرف بالمصاونة، يضمن عدم الاعتداء بين الموقعين عليه.

أُبرمت هذه الاتفاقية في فبراير 2014 بين مجموعة من قبائل بني صريم بقيادة علي حميد جليدان ومبخوت المشرقي وشخصيات قبلية أخرى من جهة، وممثل جماعة الحوثيين أبو علي الحاكم من جهة أخرى، ولكن دون التشاور مع مشايخ حاشد الآخرين أو الرجوع إليهم. عُرفت هذه الاتفاقية فيما بعد باتفاقية الخط الأسود، كونها فتحت الطريق أمام الحوثيين إلى مدينة خمر، معقل قبيلة حاشد وبني صريم ومنزل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر. نصت الاتفاقية على “التزام قبائل بني صريم بفتح الطريق [بين صنعاء وصعدة] وحمايتها، والتزام جماعة الحوثيين بعدم مهاجمة أراضي بني صريم أو التدخل في شؤونهم.

السبب الذي دفع مشايخ بني صريم لعقد هذا الاتفاق المهم مع الحوثيين كان على الأرجح المشهد الذي رأوه وهو تساقط مناطق قبائل حاشد الواحدة تلو الأخرى على يد الحوثيين، والعلاقات الطيبة بين بني صريم وحليف الحوثيين الجديد علي عبدالله صالح.

خلال اجتياح الحوثيين لمناطق القبائل في عمران وصعدة، حاولوا كسب تعاطف أبناء بكيل، حيث عيّنوا أولًا ضيف الله رسام شيخ منطقة حيدان في صعدة من قبيلة خولان بن عامر رئيسًا لمجلس التلاحم القبلي الذي أسسوه في صعدة أوائل عام 2013.

كان هذا التعيين إشارة واضحة على انتقال مركز الثقل القبلي من حاشد إلى جماعة الحوثيين في صعدة، حيث أصبح رسام زعيمًا سياسيًا للقبائل اليمنية بشكل عام رغم كونه شخصية ضعيفة تفتقر إلى الكاريزما. وعلى غير ما جرت العادة وهي أن يُختار زعيم القبيلة عبر التشاور بين أفرادها، عُيِّن رسام بطريقة مخالفة للعرف. لم يكن مشايخ بكيل المعروفون متحمسين لهذه التحركات الحوثية، ما ترك لديهم شعورًا بأن الحوثيين أرادوا سحب البساط من تحت أقدامهم عبر تعيين شخصيات ذات خبرة قليلة في إدارة شؤون القبائل.

في البداية، سعت جماعة الحوثيين إلى تقديم نفسها على أنها تكافح الظواهر السلبية السائدة في المجتمعات القبلية كالثأر والتقطع للمسافرين على الطرق والمغالاة في المهور من أجل كسب ولاء القبائل، لكن هذا لم يكن كافيًا لإقناع معظم رجال القبائل بالخضوع لحكم الحوثيين. نتيجة لذلك، لجأت سلطات الحوثيين منذ 2011 إلى استهداف القبائل المتمردة واحدة تلو الأخرى، واحتلت مناطقهم بالقوة العسكرية، وفي بعض الحالات دمرت منازل الشخصيات القبلية في عدة محافظات، باستخدام المتفجرات غالبًا. شملت تلك المنازل في صعدة منزل الشيخ علي حسين المنبهي، وفي مديرية قفلة عذر بعمران منزل الشيخ صالح سودة، ومنزل الشيخ صغير بن عزيز، ومنزل الشيخ صادق الأحمر، ومنزل الشيخ مبخوت المشرقي، وفي محافظة إب منزل الشيخ عبدالواحد الدعام في مديرية الروضة، والشيخ علي قعشة، والشيخ معاذ الجمال، والشيخ علي بدر، وفي محافظة الضالع منزل الشيخ عبد الجليل الحذيفي بمديرية الحشا، وفي محافظة شبوة منزل الشيخ صالح بن فريد العولقي، وفي محافظة حجة منزل الشيخ أكرم الزرقة، وفي محافظة ذمار الشيخ عبدالوهاب معوضة بمديرية عتمة، ومنزل الشيخ علي أحمد المقدشي.

كانت هذه الأفعال عبارة عن رسالة تهديد وتحذير للقبائل من انتهاء عصر الأخذ والعطاء، أي عصر البراغماتية والمصالح، وأنه لا بد من قبول حكم جماعة الحوثيين دون طرح أي أسئلة. كما استخدمت قوات الحوثيين تكتيك الهجمات الجماعية المفاجئة على مناطق قبلية في سفيان والعصيمات وعذر وحجور وعتمة وغيرها، واستخدمت أساليب تقليدية أكثر نعومة لإخضاع القبائل. فتحت سلطات الحوثيين مراكز صيفية لنشر أيديولوجية الحركة من خلال دورات للشيوخ ورجال القبائل على حد سواء. وأوكلت مهمة إدارة هذه البرامج إلى يحيى الحوثي وزير التربية والتعليم في حكومة الحوثيين (غير معترف بها). ورغم من أن مجلس التلاحم القبلي ووثيقة الشرف القبلية التي صاغتها سلطات الحوثيين أوائل عام 2019، فإن ما وصلت إليه هذه الاتفاقات لم يكن في الواقع سوى قدر أكبر من إخضاع القبائل للقيادة العقائدية للحوثيين. حشد مجلس التلاحم القبلي القبائل للقتال في صفوف الحوثيين وسحب البساط من تحت أقدام شيوخ القبائل الذين سيطروا على المشهد القبلي منذ ثورة 1962 حتى انتفاضة 2011.

يبدو أن وثيقة الشرف القبلية تشير إلى مرحلة جديدة في العلاقات بين الحوثيين والقبائل. ورغم أنها استخدمت لغة التلاحم القبلي وتفعيل دور القبيلة، إلا أن هذه الوثيقة فرضت ضرائب قبلية وألزمت القبائل صراحةً بتقديم مقاتلين للحرب منذ عام 2015 ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وقوات التحالف بقيادة السعودية. في عام 2018، أنشأت سلطات الحوثيين أيضًا الهيئة العامة لشؤون القبائل لمراقبة تصرفات شيوخ القبائل في دعم مجلس التلاحم القبلي، وهو ما تحقق أيضًا من خلال مشرفين اجتماعيين وثقافيين وتربويين وأمنيين عينتهم سلطات الحوثيين في كل منطقة إدارية.

خاطبت جماعة الحوثيين روح المساواة لدى القبيلة، وهو الأمر الذي ساعد في التخفيف من تأثير الخطاب الحوثي ونظريتهم عن حقهم المكتسب في الحكم، وفي الوقت ذاته تحاول وسائل الإعلام الموالية للحوثيين التأكيد على الأعراف والتقاليد القبلية والاحتفاء بها. يلتزم زعماء الحوثيين بارتداء اللباس التقليدي/القبلي في المناسبات العامة ويستغلون مفهوم النكف القبلي كوسيلة أخرى لإقناع القبائل بالقتال إلى جانبهم باسم الدفاع عن الوطن. كما وظفت سلطات الحوثيين الأغاني الشعبية المعروفة بالزوامل التي تغنيها القبائل تقليديًا أثناء الحصاد والعمل الجماعي، كوسيلة للحصول على الدعم ورفع الروح المعنوية بين المقاتلين.

وساعدت سلوكيات التحالف في المناطق التي لم تشهد مواجهات مباشرة مع جماعة الحوثيين، مثل جزيرة سقطرى في بحر العرب، وجزيرة ميون في مضيق باب المندب، وكذلك محافظة المهرة، على تشجيع رجال القبائل للانضمام إلى الحرب من منظور قومي.



•مكانة القبيلة تحت حكم الحوثيين

القبيلة هي ظاهرة اجتماعية وسياسية محافظة تحكمها عادات وتقاليد كقوانين يجب الالتزام بها. رابطة القرابة عنصر أساسي من العناصر التي تشكل هذا الميثاق الاجتماعي. في عقيدة الحوثيين، تتمحور السلطة الاجتماعية والسياسية حول الهاشميين من أحفاد آل بيت النبي محمد (المعروفين باسم آل البيت)، المتمثلة في الوقت الحالي بزعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي وعائلته، لعبدالملك الحوثي الكلمة الفصل في جميع الأمور، وتُعد طاعة أوامره واجبًا دينيًا على جميع أعضاء الجماعة. كما أن قسم الولاء للجماعة هو عهد أمام الله على الولاية: “اللهم إنّا نتولاك ونتولى رسولك ونتولى الإمام علي، ونتولى من أمرتنا بتوليه، سيدي ومولاي عبدالملك بدر الدين الحوثي الذي أمرتم به، ونبرأ من أعدائك وأعداء رسولك وأعداء الإمام علي وأعداء سيدي عبدالملك بدر الدين الحوثي الذين أمرتنا بتوليه.

رسالة الحوثيين لأتباعهم هي أنها الجماعة الوحيدة على طريق الحق، على عكس الكيانات التنظيمية الأخرى مثل القبيلة. يتعامل رجال القبائل المنتسبون لجماعة الحوثيين مع الهاشميين، بمن فيهم عائلة الحوثي، على أنهم طبقة نخبوية مميزة داخل المجتمع، وبالتالي من هذا المنظور، لا تمثل عائلة الحوثي والهاشميون مكونات المجتمع المختلفة، بل تقع في مستوى أعلى منها.

وبعد أن سيطرت جماعة الحوثيين على صنعاء، تراجع الدور السياسي للشخصيات القبلية المؤثرة، وأصبحت المجموعة الجديدة من المشايخ الذين نصبهم الحوثيون هم الواجهة التي تمثل القبيلة، رغم افتقارهم للشرعية القبلية. على سبيل المثال، عُيِّن محمد مطهر الوشلي، نجل القاضي وأحد الهاشميين الإقطاعيين في مديرية عنس بمحافظة ذمار في عهد الإمامة الزيدية، شيخًا لمشايخ زُبيد عنس، وهو منصب قبلي مهم، رغم أنه لم يكن يملك أي مكانة قبلية. لكن مثل هذه الألقاب عامة، لا تنبثق عن التركيبة القبلية العميقة، ولا يمكنها أن تحل محل الحدود النابعة من الأعراف القبلية.

يمكن القول إن القبيلة في عهد جماعة الحوثيين مرت بثلاث مراحل. خلال المرحلة الأولى، كان هناك صراع مع الجماعة شاركت فيه بعض القبائل بين عامي 2011 و2014 في عمران وصنعاء وحجة. كان الهدف من هذه المعارك هو الدفاع عن القبيلة والأرض وليس الدفاع عن أيديولوجية أو عقيدة معينة أو مقاومتها. في الحقيقة، كانت القبائل تدرك تداعيات سيطرة الحوثيين عليها؛ نظرًا لتجربتها المريرة مع الإمامة قبل عام 1962، وهي الإمامة التي تدعي جماعة الحوثيين أنها تنحدر منها. أما المرحلة الثانية فكان فيها تحالف براغماتي بين الجماعة وبعض القبائل الموالية لصالح، وكان هذا بمثابة التقاء للمصالح في مواجهة الحملة العسكرية التي تقودها السعودية، ودُعم التحالف من قِبل صالح نفسه. شهدت المرحلة الثالثة، التي أعقبت مقتل صالح على يد الحوثيين في ديسمبر 2017، إخضاع القبائل لحكم الحوثيين بالقوة وبسط سيطرة الحوثيين على المناطق القبلية مثل حجور في حجة وأجزاء من ذمار. حينها لم يعد للقبائل أي تأثير سياسي أو اجتماعي في ظل سيطرة الحوثيين على الساحة السياسية والقبلية، باستثناء بعض القضايا الداخلية الصغيرة التي تُرك التعامل معها للقبائل.

من الواضح أن الحروب التي شنتها جماعة الحوثيين ضد القبائل الشمالية أحدثت انقسامات كبيرة داخل التركيبة القبلية. جاءت سلطة الحوثيين القائمة على العقيدة على حساب القبائل والقوى السياسية الأخرى. في الوقت ذاته، كان رجال القبائل عرضة للعسكرة العقائدية في ظل نظام الحوثيين الجديد. تحول دور القبائل من مساعدة الدولة في الحكم إلى توفيرها للقوى البشرية لتحقيق أهداف الحرب، وما يثبت ذلك، هو الصراع بين جماعة الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليًا في محافظة مأرب على مدى السنوات الست الماضية. وفي بيان نادر صدر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، صرّح مسؤول حوثي علنًا أنهم فقدوا 15 ألف مقاتل من قواتهم بين يونيو ونوفمبر 2021 خلال المعارك التي شنها الحوثيون في مأرب.

أخضعت جماعة الحوثيين القبائل عبر عاملين رئيسيين. الأول، افتقار الدولة إلى قيادة قوية بعد الإطاحة بصالح، وفي الحقيقة، اضطرت الحكومة المعترف بها دوليًا للانتقال إلى عدن عام 2015، ما ساهم في قبول القبائل لسلطة الحوثيين في صنعاء. الثاني هو تمكن الحركة الحوثية من استغلال الحرب الدائرة من خلال توظيف الخطاب الشعبوي الذي يصورها على أنها تواجه المعتدي الأجنبي، وبهذا تمكنت من الحصول على دعم القبائل.



•الخاتمة والتوصيات

استخدم النظام السابق بقيادة صالح وسائل براغماتية لكسب ولاء قبائل الشمال، لكن هذه الوسائل أدت في نهاية الأمر إلى إضعاف القبائل والدولة بنفس القدر؛ لتستغل جماعة الحوثيين نقطة الضعف هذه والفوضى التي عمت القوى السياسية اليمنية والناتجة عن انزلاق البلاد في الحرب والتدخل الأجنبي في شؤون اليمن لإخضاع القبائل بشكل غير مسبوق. استخدمت الجماعة مجموعة من السياسات في تعاملها مع القبائل، تضمنت العنف وتغيير العادات والتقاليد القبلية لخدمة مشروعها الحربي ما أدى إلى استنزاف الموارد البشرية للقبائل، وتجاوز الأمر مجرد التجنيد المحدود الذي كان يحدث خلال السنوات الأخيرة لحكم صالح عندما بدأت الحروب مع الحوثيين.

الحوثيون هم جماعة عسكرية مدفوعة عقائديًا تتصف بعقليتها الشمولية، وتطبق منطق القمع والهيمنة على قبائل المناطق الشمالية. أي بعبارة أخرى، تفتقر هذه الجماعة إلى قاعدة دعم شعبي في المجتمعات القبلية، كون القبائل أُجبرت إلى حد كبير على التعبير عن تضامنها مع الحوثيين، بما في ذلك المشاركة في المجهود الحربي. وفي حين تمتعت القبائل بامتيازات اجتماعية وسياسية في ظل نظام صالح، إلا أنها جُردت من ذلك في عهد الحوثيين، حيث لم تعد كيانًا قبليًا متماسكًا كما كانت من قبل.



بناءً على البحث أعلاه، تُقدم التوصيات التالية:

-يجب على جماعة الحوثيين الكف عن استغلال العادات والتقاليد القبلية لتنفيذ أجندات سياسية؛ فذلك لا يخدم السلم الأهلي المستدام، واستخدام العنف لإخضاع القبائل لغايات أيديولوجية لن يؤدي إلى الاستقرار، وإن بدت تلك القبائل تابعة فلن يستمر ذلك لوقت طويل.

-يجب أن تدرك جماعة الحوثيين أن استخدامها للأيديولوجيا في مجتمع قبلي محافظ ومتدين سيكون له تداعيات خطيرة على السلم والتماسك الاجتماعي بعد الحرب، ما يعرض الوحدة السياسية للبلاد للخطر.

-يجب التوقف عن حشد القبائل في الصراع الدائر لأن هذا يكرّس ثقافة الثأر، ولن يخدم قضية السلام بعد انتهاء الحرب.

-يجب التوقف عن إهانة القبائل باعتقال أفرادها وهدم منازلهم، فذلك يشكل خطر تعميق الانقسام بين القبائل والهاشميين الذين تنتمي لهم أسرة الحوثي.

-يهدد الفشل في معالجة الوضع الاقتصادي، خصوصًا في المناطق القبلية الشمالية الأشد فقرًا بإثارة المزيد من الصراع الأهلي في المستقبل.





*عادل دشيلة باحث سياسي وأكاديمي يمني حاصل على درجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي، والتركيز على أدب السجون في العالم العربي. نشر العديد من الأوراق البحثية، بالإضافة إلى كتابه الأخير (الحركة الحوثية والقبيلة اليمنية بين عامي 2011 و2020).

-لقراءة النص الاصلي للورقة البحثية

https://sanaacenter.org/ar/publications-all/analysis-ar/16724