عربي ودولي

الخميس - 16 مارس 2023 - الساعة 10:00 ص بتوقيت اليمن ،،،

تقرير - محمد مرشد عقابي

وصل وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى بغداد في زيارة غير معلنة تهدف إلى إعادة التأكيد على الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق، وبحسب الشارع العراقي فإن التأكيد على الشراكة الاستراتيجية ليس هو هدف الزيارة وهو غير مقنعاً لتكرار نفس سبب الزيارات لاي مسؤول أميركي، ويتساءل الكثير من العراقيين لماذا كل مسؤول أميركي يلتقي بالسلطة التنفيذية وبعض الشخصيات السياسية يؤكد على الشراكة ومحاربة الإرهاب؟ هل أن الشراكة مهددة بالانفصام أو هناك أمور ومواقف لايمكن طرحها بالإعلام تخص موقف الإدارة الأميركية من العملية السياسية وسير الحكومة ومدى التزامها تجاه الأميركان فيما يخص الطاقة والاستثمار وغيرها من القضايا والملفات المحلية والإقليمية.

ويرى مراقبين، إن الهدف من هذه الزيارة هو إظهار التزام واشنطن بالحفاظ على وجودها العسكري في العراق بعد نحو 20 عاماً من الغزو الذي قادته إلى جانب تحالف دولي للإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين، وكتب أوستن على حائطه في تويتر لدى هبوطه في بغداد "أنا هنا لأعيد تأكيد الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق بينما نمضي قدماً نحو عراق أكثر أمناً واستقراراً وسيادة"، وطبقاً لمراقبين فإنه ليس من المعقول أن يقطع وزير الدفاع مسافة أميال ليتحفنا بما غرد به وهو التأكيد على الشراكة الاستراتيجية، وقال أوستن: "نركز على المهمة الموكلة لنا لهزيمة تنظيم داعش، ولكن أي هجمات تستهدف قواتنا يمكن أن تقوض هذه المهمة"، وطبقاً لمحللين فإن الولايات المتحدة تسعى للضغط على إيران للقبول بشروط التفاوض حول الملف النووي وتقديم تنازلات واستخدام ورقة الكيان الصهيوني للضغط على ايران للتهديد بضرب أهداف منتقاة تتبع النظام الإيراني كما تصرح حكومة الكيان الصهيوني لكن أوستن يريد ضمان من الحكومة العراقية بعدم التعرض للمصالح الأميركية.

وعلق عراقيون، إن أوستن يعرف جيداً بإن القوات العراقية هي من تحارب داعش الإرهابي وقدمت تضحيات كبيرة لحفظ أمن البلد وانتصار إرادته وهي ليست بحاجة لقوات أميركية للقيام بمثل هذه المهام، وهذا يناقض تصريح الإدارة الأميركية التي تؤكد على وجود مستشارين والمساعدة في المعلومات الأمنية فقط، وشملت الجولة الإقليمية لأوستن زيارة ثلاث دول هي مصر وإسرائيل والأردن، وخصصت للتأكيد للحلفاء الرئيسيين على الإلتزام الأميركي تجاه المنطقة رغم تركيز وأشنطن في الآونة الأخيرة على روسيا والصين اللذان يشكلان قلقاً بالنسبة لها، وأكد رئيس الحكومة العراقية خلال أستقباله للمسؤول الأميركي التأكيد على دور العراق في تقريب وجهات النظر وخفض التوترات بالمنطقة، مشيراً إلى أن نهج الحكومة في اتباع علاقات متوازنة مع المحيط الإقليمي والدولي يجب أن تستند إلى المصالح المشتركة واحترام السيادة لأن استقرار العراق مفتاح لأمن المنطقة واستقرارها وبذلك الزمت الحكومة نفسها بعدم السماح لأي قوات مهما كانت لضرب دول الجوار.

وناقش، وزير الدفاع الأميركي مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ملفات استهداف المصالح الأميركية في العراق، والمعابر الحدودية غير الرسمية بين العراق ودول الجوار، وحملت زيارة أوستن دلالات مهمة، ووفقاً لمراقبين فهي بمثابة رسالة بقاء للوجود الأميركي داخل العراق على الرغم من أن البيئة السياسية الحالية ضد الولايات المتحدة، كما إن هذه الزيارة تؤكد أن واشنطن تمضي باتجاه تأمين شركائها في المنطقة، ولاتستطيع الحكومة العراقية ضمان أن لا تكون الأراضي العراقية منصة لأي هجمات تستهدف المصالح الأميركية، إلى جانب المصالح الإسرائيلية فيما لو حدثت مواجهات بسبب تهور  الكيان الصهيوني الذي يفكر بضربة عسكرية ضد النظام الإيراني مما يشعل فتيل المواجهات في المنطقة.

وعلى صعيد آخر، لم يكن اعلان المصالحة الإيرانية - السعودية وتسوية الخلافات بينهما من العاصمة بكين هو بداية العد التنازلي لمغادرة أميركا للشرق الاوسط بل هو أيضاً الإعلان الرسمي عالمياً عن إزاحتها من عرش القطبية الواحدة بعد أن بقيت متربعة عليه في إدارة العالم منذ أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً وهي المدة التي مرت على سقوط الاتحاد السوفياتي وتفككه بعدما كان العالم يدار من قبل قطبين حسب ما تمليها سياسة القطب الرأسمالي أو الشيوعي على دول العالم، وطبقاً لمحللين فإن القطبان كان احدهما يتحين الفرصة لافتراس مصالح الآخر إلا انهما كانا متوحدان على افتراس مصالح دول العالم الثالث، فالسياسة الدولية معقدة الممرات ومتشابكة المصالح وليس هناك ما كان يقيد جموح القوي إلا القوة المضادة، وترجع العلاقات التاريخية الحديثة بين أميركا والمملكة العربية السعودية إلى عام 1933، وتطورت في عام 1945، حينما مدت الأخيرة أميركا بالنفط ودعم سياسات أمنها القومي، ففي العام 1945 تحالف البلدان على دعم استقرار أسعار النفط من اجل استقرار اقتصاد الولايات المتحدة مقابل قيام أميركا بالحفاظ على سلامة حقول النفط في السعودية وساعدت على تسويقه عبر الخليج والبحر الاحمر، كما عمل البلدان سوية على تعزيز واستقرار اقتصادات دول المعسكر الغربي المرتبطة بأميركا وخصوصاً دول التحالف الغربي الخارجة من الحرب ضد المانيا، إذ كانت المملكة العربية السعودية تشجع على استثمار رؤوس الاموال العربية في الولايات المتحدة ودول الغرب.

ويؤكد خبراء، بأن أميركا لم تكن تنفلت منها زمام أمور قيادتها للقطبية الاحادية لو لم يكن هناك خلل أو اسباب في سياساتها الخارجية والداخلية لم تعالج مبكراً أدت إلى استنزاف قوتها، رغم انها دولة مؤسسات دستورية وبلد مصب لثروات الاستثمار عالمياً محمي بمؤسسة عسكرية قوية لها كلمتها في حسم القرار رغم إن صلاحيتها دون صلاحيات رئيس الجمهورية والكونجرس دستورياً، ويرجع البعض إن الولايات المتحدة لم تتعض من اسباب نهايات القوى والامبراطوريات عبر التاريخ بل سلكت نفس الاخطاء وهو التمدد الجغرافي ومن لايتعض من قراءة التاريخ لايدرك مايجري في الحاضر، حيث كان لغزو أفغانستان من قبل الاتحاد السوفياتي عام 1979، وخروجه المذل منها السبب في مغادرته نادي القوى العظمى وتفككه إلى دول متناثرة في شرق أوروبا وأواسط آسيا.

ودب الضعف في الاقتصاد الأميركي بعد اجتياح افغانستان والعراق الامر الذي أدى إلى انهيار النظام البنكي عام 2008، حيث أعلن 148 بنكاً كان يرفد الاقتصاد افلاسه، وبعد هذا الانهيار البنكي أصبحت الولايات المتحدة أسيرة الديون الأجنبية وبيع السندات الحكومية لسد الميزانية السنوية فقد وصل مبلغ السندات التي اشترتها الصين من الولايات المتحدة بشروط خاصة أملتها الصين والديون التي قدمتها لها قرابة 2000 مليار دولار، أما اليابان فقد وصل حجم الديون التي قدمتها لأميركا 700 مليار دولار، إذ استطاعت من فوائدها السنوية دفع رواتب موظفي الدولة في اليابان، بالإضافة إلى ديون وبيع سندات لعدة دول.

كما إن الدفاع الخجول عن أوكرانيا التي باتت تقرض أراضيها وتدمر مدنها القوات الروسية بكل سهولة من دون رد عسكري هو دليل ضعف أخر لأميركا والناتو أمام القوتين الصينية والروسية مجتمعة، فالولايات المتحدة التي انتشرت افقياً كان انتشارها عقيماً بعثرت فيه قوتها العسكرية والاقتصادية ما جعلها لم تعد قادرة على إدارة العالم بقطبية احادية وبقرار صارم، مما رجح حالياً صعود قوة إلى جانبها أو مستقبلاً ربما قوى أخرى.