كتابات

الأحد - 26 يونيو 2022 - الساعة 08:27 م بتوقيت اليمن ،،،

خلال ذروة قوة ونفوذ الإمبراطورية البريطانية، تم إحضار الآلاف من النساء من الهند وأجزاء أخرى من آسيا إلى لندن لرعاية الأطفال، ولكن لاحقا تم التخلي عن العديد منهن وتركن ليتدبرن أمورهن بأنفسهن. الآن، من المقرر الاحتفاء بمبنى في لندن كان بمثابة ملاذ لهن، بعد منحه "لوحة زرقاء".

واللوحة الزرقاء، هي إشارة تكريم، تثبت على منازل ومبان في أرجاء لندن ارتبطت بشخصيات شهيرة أو أحداث تاريخية، وذلك ضمن مخطط لـ"هيئة التراث الإنجليزي"، وهي مؤسسة خيرية في المملكة المتحدة.

ومن الشخصيات التي تحمل أماكن إقامتها في لندن لوحات زرقاء، أغاثا كريستي، وشارلي شابلن، وفريدي ميركيري، وآرثر كونان دويل، والشقة التي سكنتها الأميرة ديانا قبل أن تتزوج، وذلك على سبيل المثال وليس الحصر.

كما توجد في لندن منازل تحمل لوحات زرقاء سبق أن أقامت فيها شخصيات من الهند، منها المهاتما غاندي، وجواهر لال نهرو.

وفي عام 2020، أصبحت نور عنايت خان، التي كانت جاسوسة خلال الحرب العالمية الثانية، أول امرأة من أصل هندي، توضع اللوحة الزرقاء على المنزل الذي كانت تقيم فيه.

والمنزل المذكور والذي تقرر وضع لوحة زرقاء عليه مؤخرا، كان خلال الحقبة الإستعمارية يأوي المئات من المربيات الآسيويات الفقيرات المحرومات، واللواتي كان يطلق على الهنديات منهن اسم "آيا"، وعلى الصينيات اسم "أماه".

وجاء الاحتفاء بهذا المنزل والذي يحمل الرقم 26 ويقع في شارع كينغ إدوارد في حي هاكني، شرقي لندن، نتيجة حملة أطلقتها فرحانة ماموجي، وهي في الثلاثين من عمرها ومن أصل هندي، وقد سمعت لأول مرة عن المكان، عندما أشير إليه بإيجاز في فيلم وثائقي عن تلك الفترة من إنتاج بي بي سي.

معظم المربيات المذكورات جئن من الهند، والصين، وهونغ كونغ، وسيلان البريطانية (سريلانكا) وبورما (ميانمار) وماليزيا وجافا (جزء من إندونيسيا حاليا).

وتقول روزينا فيسرام، المؤرخة ومؤلفة كتاب "الآسيويون في بريطانيا: تاريخ على مدى 400 عام" إن تلك النساء "كن عاملات منازل لدى العائلات البريطانية المقيمة في الهند خلال الحقبة الاستعمارية. وكن يقمن بدور مهم جدا، فهن اللواتي يعتنين بالأطفال، ويسلونهم، ويروين لهم القصص والحكايات، ويهدهدنهم لكي يناموا".

وعندما كانت تلك العائلات تعود إلى بريطانيا، كانت غالبا ما تجلب معها المربيات.

وتقول فيسرام إن بعض المربيات كانت مهمتهن هي فقط مرافقة العائلة خلال الرحلة الطويلة الصعبة، في حين كانت بعض العائلات تمدد عمل المربيات لديها لبضع سنوات.

وتشير فيسرام إلى أن المربيات كن "عادة يزودن بتذكرة عودة إلى بلادهن على نفقة الأسرة".

لكن هذا لم يكن حال جميع المربيات اللواتي تم إحضارهن من المستعمرات في آسيا، فالعديد منهن فصلن من العمل، وتم التخلي عنهن من دون دفع أجورهن، أو ترتيب عودتهن إلى ديارهن.

كما اضطر البعض منهن إلى البقاء في لندن، لأنهن لم يتمكن من العثور على عائلات للمرافقة في رحلة العودة الصعبة.

ويقول الدكتور فلوريان ستادتلر، المحاضر في الأدب والهجرة في جامعة بريستول، والذي عمل مع فيسرام في البحث الخاص بتلك المربيات "ذلك أجبر المربيات على محاولة تدبير أمورهن بأنفسهن".

ويضيف أن "تلك المربيات كن غالبا ينشرن إعلانات في الصحف المحلية، ويطلبن المساعدة في العودة إلى الوطن، واضطر العديد منهن إلى الإقامة في مساكن قذرة وذات إيجار مرتفع بالنسبة لهن".

"وعندما ينفد ما لديهن من مال، كن يطردن من تلك المساكن أيضا. حتى أن العديد منهن أُجبرن على التسول لجمع نفقات رحلة عودتهن إلى الهند"، كما يقول.

وفقا لمشروع بحث بعنوان "صنع بريطانيا" التابع لجامعة "أوبين يونيفرسيتي"، فالمكان الذي يحمل اسم "آياز هوم" Ayahs' Home أو "بيت المربيات" قد "تأسس عام 1825 في منطقة ألدغيت في لندن، من قبل امرأة تدعى إليزابيث روجرز.

وبعد وفاتها (التاريخ غير معروف تماما)، آلت ملكية المنزل إلى زوجين، وقد كان نزلا للمربيات الآسيويات اللواتي اضطررن للبقاء في لندن.

وقد جعل منه الزوجان أيضا ما يشبه وكالة للتوظيف، وكانت العائلات الإنجليزية تقصده للبحث عن مربيات لأطفالها.

وبحلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومع تنامي قوة الإمبراطورية البريطانية، كان السفر بين إنجلترا والهند أكثر انتظاما، كما ارتفع أيضا عدد المربيات القادمات من الهند إلى بريطانيا.

وتقول الدكتورة فيسرام "كان عدد المربيات الهنديات والآسيويات اللواتي يقمن في النزل يصل إلى 200 امرأة سنويا، بعضهن يمكثن فيه لبضعة أيام، والبعض الآخر يبقين أشهرا".

ولم تكن المربيات يدفعن مقابل إقامتهن، وتقول الدكتورة فيسرام إن النزل كان يتلقى تبرعات من الكنائس المحلية.

وتضيف أن بعض المربيات كانت لديهن تذاكر عودة، لكن لم يستطعن العودة إلى ديارهن بسبب عدم امتلاكهن ما يكفي للإنفاق خلال الرحلة، أو لعدم توفر من يرافقهن. وفي مثل هذه الحالات كانت المشرفة على النزل تبيع التذكرة لعائلة أخرى تحتاج إلى مربية خلال رحلتها إلى الهند.

لكن منزل المربيات، لم يكن مجرد نزل أو ملجأ للنساء الآسيويات المحتاجات، كما يقول الدكتور ستادتلر، وإنما كان أحد أهدافه الرئيسية "محاولة إقناع المربيات باعتناق المسيحية".

ويضيف "لكننا لا نعلم عدد المربيات اللواتي تحولن بالفعل إلى المسيحية، إذ لا توجد سجلات بهذا الخصوص. كما لا توجد أي سجلات تشير إلى أن تلك المربيات أجبرن على التحول إلى المسيحية في إنجلترا".

في عام 1900، آلت ملكية النزل إلى جمعية مسيحية اسمها "تبشيرية مدينة لندن"، ونقل مكانه أولا إلى المبنى الذي يحمل رقم 26 في نفس الشارع، وفي عام 1921 نقلت الجمعية النزل إلى المبنى رقم 4 في الشارع نفسه.