الدكتور بليغ يكتب

الإثنين - 15 أكتوبر 2018 - الساعة 04:41 ص بتوقيت اليمن ،،،

تحديث نت / خاص .

رغم أن اليوم هو 14 من أكتوبر المجيد , ورغم أن الاحتفالية التي أقيمت ولا تزال قائمة في العاصمة عدن هي التي تشغل المشهد الجنوبي في المجالس والدواوين وحتى مواقع التواصل الاجتماعي , إلا انه عند عرضي لثلاثة مواضيع في صفحتي على الفيسبوك وهي كالتالي :
1- خطاب هادي .
2- فعالية 14 أكتوبر اليوم .
3- مستقبل التحالف والحرب في اليمن .
كان مستقبل التحالف والحرب في اليمن هو الذي رشح للنقاش من بين المواضيع الثلاثة التي اقترحت تناولها.
وقبل أن نلج إلى هذا الموضوع ,لابد لنا حتى نستطيع الوصول إلى نتائج مقنعة من أن نعرف ما هي العوامل التي تؤثر في صنع العلاقات السياسية الدولية , وكيف تؤثر بها , ثم نقيسها على وضعنا في الجنوب .
وكذلك لابد لنا من أن نعرف التحالفات سياسية كانت أو عسكرية ( أن صح لنا أن نسميها تحالفا) القائمة في عموم اليمن وفي الجنوب خصوصا , والتي تؤثر في واقعه , فالتحالف العربي مع الرئيس هادي , ليس كمثل التحالف العربي مع المجلس الانتقالي,
وفي هذه النقطة أيضا , لابد لنا أن نتعرف كيف كانت ردود المجتمع الجنوبي سياسيا نحو وجود هذه التحالفات , سواء من قبول أو رفض أو صمت .
ولنبدأ بالأخير , ونسرد قليلا من التاريخ ونسأل كيف كانت نظرة الثورة الجنوبية , وحراكها الجنوبي السلمي التحرري وبالتالي ردود أفعالها نحو التدخلات السياسية القائمة في اليمن من الأطراف السياسية الإقليمية كانت أو الدولية وصولا إلى التحالف السياسي مع الإقليم والعالم ؟
والإجابة هنا أنها كانت على ثلاثة أنماط أو وجهات نظر اختلفت في زمن وجودها باختلاف الظروف والأحوال والأوضاع والمتغيرات في الساحة الجنوبية :
الأول كان يرى انه لابد من إبقاء الثورة الجنوبية بعيدة عن الاستقطاب السياسي الإقليمي والدولي , حتى يمكن لها النضوج الكافي لتحقيق هدفها في استعادة سيادة الجنوبيين على كامل ترابهم الوطني قبل العام 1990 م , كذلك هو الضامن المتاح لإبقاء القضية الجنوبية والثورة الجنوبية و الحراك الجنوبي السلمي التحرري محميا من الاستغلال ومن حرف مساره وكذلك ضامن لعدم إفساد الثورة بإغراقها بالمال .
الثاني كان يرى التعاطي مع الأطراف المؤثرة في المشهد السياسي الجنوبي مع إبقاء الحياد مع الجميع , دون الوقوف مع طرف معين , وكانت حجته ,طبيعة الظروف التي يمر بها الجنوب سياسيا , من عدم وجود تنظيمات سياسية جنوبية فاعلة قادرة على إنتاج مشروع قابل للنشوء والاستمرار , ومع تلك الهلامية التي تعيشها ما يسمى (بالمكونات ) .
الثالث كان يرى انه لا بأس من التوجه نحو التعاطي (التحالف ) مع الخارج , وكانت الحجة في ذلك السعي إلى إيجاد نفوذ دبلوماسي قائم على المصالح المشتركة التي قد تجمع الجنوب مع تلك الأطراف , وهنا لابد لنا من أن نوضح أن (التحالف ) والشراكة أمر , والتبعية والوكالة أمر مختلف تماما .
كانت وجهات النظر هذه من الناحية السياسية , وظلت كذلك حتى حرب صيف 2015 م , والتي مثلت منعطفا كبيرا وخطيرا أيضا , فدخلت فكرة التحالف عسكريا وامنيا ( مع تحفظي الشديد على لفظ التحالف ) ممثلة في المقاومة الجنوبية ودورها الفعال في تلك المرحلة الهامة والحرجة , والتي انحرفت بالمقاومة الجنوبية , وحولتها من أداة دفاع عن الابرياء من المدنيين بغطاء سياسي بامتياز , إلى ملف عسكري وامني , لا أكثر دلالة على هذا الانحراف من نقل نشاطات المقاومة الجنوبية من نطاقها السياسي الوطني إلى خارج حدود الجنوب السياسية , وما كان المجلس الانتقالي الجنوبي إلا أداة تتويج لهذا الانحراف الذي لحق المقاومة الجنوبية , وإعطاءها نوع من الشرعية الثورية الجنوبية أمام المجتمع الجنوبي بهتانا وزورا .
فكما ترون لم يكن هذا التطور نحو المجال الأمني والعسكري تحالفا أبدا , بل كان انحرافا عن مسار الثورة الجنوبية والقضية الجنوبية , وانحرافا بحقيقة المقاومة الجنوبية وأدوارها الوطنية المناطة بها .
الآن نسال , ما هي العوامل التي تجعل طرف ما قادرا على الفعل في السياسة الدولية ؟
وتأتي الإجابة انه لابد أن يكون كيانا معرفا و قابلا للتحديد , ان يحمل نوعا من الاستقلالية في اتخاذ قراراته والقدرة على تنفيذها , أن لا يكون ناشئا عن ظرف مؤقت أو يكون ردة فعل آنية , وان يكون لديه قدر من الموارد والإمكانات , وان يملك القدرة على التفاعل مع غيره من الفاعلين الدوليين , وان يكون قادرا على البقاء والاستمرار .
ويمكنكم أن تقيسوا عليه من يملك تلك المواصفات ومن لا يمتلكها , ومن يمتلك بعضا منها دون الآخر .

ونرى من وجهة نظرنا ومما سبق ذكره أن مستقبل هذا (التحالف/الانحراف ) أيا كانت أطرافه لن يكون جيدا على الإطلاق , وبالتالي فأن مستقبل الطرف أو الأطراف الجنوبية المنضوية تحت هذا (التحالف/الانحراف ) لن يكون جيدا بالضرورة , وذلك للأسباب التالية :
1- أن الموقف السياسي للتحالف العربي ودوله اتجاه النشاطات العسكرية والأمنية التي يقوم بها المجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الجنوبية لم يوضع في خانة التحالف السياسي والشراكة الندية .
2- غياب تنفيذ الالتزامات الإنسانية والأخلاقية والاقتصادية من طرف التحالف العربي ودوله اتجاه المقاومة الجنوبية وشهدائها وجرحاها وأسرهم .
3- انعدام وجود أي تطور ايجابي معيشيا أو خدميا أو صحيا أو اقتصاديا في الجنوب الذي يفترض حضوره نتيجة لهذا (التحالف/الانحراف ).
4- التباين الكبير بين التحالف العربي ودوله وبين المقاومة الجنوبية من قيم سياسية واجتماعية .
وهنا يبرز سؤال أخر , ماذا عن تحالف هادي مع التحالف العربي ؟ وماذا يعنيه الخطاب الذي ألقاه في ذكرى 14 أكتوبر ؟ وهل 14 أكتوبر هذه المرة يحمل معاني مختلفة تماما عن سابقيه ؟ وما هو مستقبل الجنوب سياسيا وسط هذه التعقيدات والتحالفات والانحرافات ؟
هذا سنتركه للجزء الثاني أيها الأحبة .
همسة في أذن هادي :
وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) الأنفال.