تحليلات سياسية

السبت - 20 أكتوبر 2018 - الساعة 05:42 ص بتوقيت اليمن ،،،

تحديث نت / القسم السياسي / كتب : أنيس الشرفي .


على خلفية ظهور نتائج التحقيق بشأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وردود الفعل المصاحبة بشأن تلك الحادثة، فإن الأمر يضع العروبة أمام حدث بالغ الخطورة ليس على المملكة العربية السعودية لوحدها، بل وعلى المنطقة برمتها إن لم يتداعى الجميع للوقوف إلى جانبها في محنتها حتى تنجلي الغمة وتزول الغمام الملبدة في سماء الرياض.

لقد كشفت حادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وتبعاتها وتداعياتها السياسية على مختلف الأصعدة السعودية والإقليمية والدولية، عن حقائق صادمة تضع المملكة في موقع ضعف يسهل للقوى الإقليمية والدولية أن تنال منها، وتفرض عليها الجبايات والإذعان والتسليم لكثيرٍ من الشروط التي كانت تمانع التعاطي معها، لمجرد التباحث بشأنها.

إن حادثة مقتل خاشقجي، وما نجم عنها من تداعيات وردود فعلٍ إقليمية ودولية، يضعنا أمام شركٍ(فخ) محكم أعد للنظام السعودي، وتم جره إليه بمؤامرة كبيرة شاركت فيها عدداً من أجهزة الاستخبارات الدولية في، من خلال الآتي:

- تم شراء بعض رجال الاستخبارات السعودية، وأرجح بأن قطر تمكنت من اختراق المملكة عبر بعض رجال الاستخبارات السعودية المرتبطين بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، ومن خلالهم تم رفع تقارير مضللة تفيد بأن خاشقجي يشكل خطراً على المملكة.... الخ، ومن هذا المنطلق قررت الاستخبارات السعودية التعامل مع الرجل كخطرٍ يهدد الأمن القومي للمملكة العربية السعودية، خصوصاً أن الرجل كان مقرباً من بلاط الحكم في المملكة، مما يجعله على إطلاع بالكثير من المعلومات التي لا يعلم بها الكثير من المسؤولين السعوديين.

- نفس الأشخاص الذين أوصوا الاستخبارات بالتخلص من الرجل، هم من قاموا بإبلاغ قطر وروسيا وتركيا بالخطة، ومن ثم أبلغوهم بكافة المعلومات المتصلة بتنفيذ عملية قتل الرجل، وطريقة التخلص من جثته.

- يؤكد ما ذهبت إليه في الفقرة السابقة، دقة المعلومات التي تناولتها قنوات قطر ووسائل الإعلام التابعة للإخوان المسلمين والوسائل التركية، واكتشافها السريع للعملية وسرعة توجيه الاتهام، مع مبادرتها لشرح كيفية حدثت عملية القتل، وعدد المشاركين فيها، بل وحتى الأصوات والمشادات الكلامية والأصوات المرتفعة التي تبادلها الجناة مع الضحية قبل قتله.

- كان إصرار الإعلام القطري والإخواني بشأن مقتل جاشقجي غريب وعجيب، إذ أكد بما لا يدع مجالاً بأن الإخوان ومن خلفهم قطر تمكنوا من دس رجالهم في أوساط جهاز الاستخبارات السعودية، ووجهوها لتنفيذ عملية القتل، ومن ثم كشفها للرأي العام، لإدخال المملكة في مأزقٍ بجعلها عرضة للابتزاز والتشويه لسمعتها، وحشرها في زاوية حرجة، كي يتاح لقطر وتركيا وإيران تمرير مشاريعهم في المنطقة من جهة، ولدول الغرب فرض مزيدٍ من الإتاوات والسياسات التدميرية واستنزاف أموال المملكة وتبديد ثرواتها ومنعها من تصدر مشهد المنطقة من جهة أخرى.

- تجلت مواقف الأصدقاء في كلٍ من المملكة المتحدة (بريطانيا) والولايات المتحدة الأمريكية، بما تضمنته تصريحاتهم بشأن هذا الحادث، إذ أظهرت الدولتان حقدهما الدفين على السعودية، وتعاملهما الساذج معها، حيث لا ينظرون إليها إلا كخزنة مالٍ في أيدي تاجر لا يجيد استثمارها، وهكذا ينظر سائر الغرب إلى كل الدول العربية الغنية ويصنفونها ك(مخازن مال) بأيدي من لا يجيد استغلالها في جوانب تدر لها عوائد تسهم في مضاعفة معدلات النمو القومي على مستوى الفرد والمجتمع عموماً.

- أمام كل تلك الحقائق التي كشفت للمملكة العربية السعودية بأنها لم تكن قط صديقة ولا شريكة لها، بل كانت تزرع الفوضى وتنمي دور التخريب وتقتنص الفرصة المناسبة لتوجيه ضربة قاصمة عبر وسائل الحرب الباردة، تقصم بها ظهر المملكة، وتجبر المملكة على دفع مبالغ باهظة، كما سبق لسيد البيت الأبيض أن صرح به مراراً.

- قبل نحو شهر ونصف نشرت صحيفة الاندبدنت البريطانية، مقالاً بعنوان" أيام ولي العهد السعودي معدودة في الحكم"، وأحدث ذلك المقال لغطٍ كبير على الساحة، مع العلم أن الصحيفة ذاتها سبق لها وإن أصدرت تقرير مرئي ومقروء يتحدث عن احتلال الإمارات لجزيرة سقطرى، ويتبنى رأي جماعة الإخوان المسلمين والإعلام القطري والتركي.

وهو ما لا يدع مجالاً للشك بأن استخبارات قطر وتركيا، وربما بمعاونة استخبارات دول غربية، قد مهدت السبيل لتنفيذ ما تضمنه المقال المنشور في الاندبندنت، بحديثه عن توجه الملك سلمان لإقالة نجله محمد من ولاية العهد، إرضاء لغرور حاكم قطر الذي بات يظن بأنه أصبح بمكان من القوة لمجاراة النظام السعودي وهزيمته.


ماذا يجب فعله في المملكة :

المملكة العربية السعودية هي رائدة الأمة العربية والإسلامية وقائدتها، وأي ضرر أو تعدي يلحق بها من أي طرف فهو بمثابة تعدياً على سائر البلدان العربية، فيكفي العروبة ما تدمر من بلدانها، فانهاء أو زعزعة استقرار السعودية قد يقود لعودة المنطقة برمتها إلى زمان ما قبل إقامة الدول من التمزق والشتات والقتال والصراع الداخلي الذي لا نظام فيه ولا مؤسسات ولا تعايش سلمي بين أبناء المجتمع.

رغم حزمة القرارات الصادرة عن العاهل السعودي التي جاءت بالتزامن مع إعلان النائب العام السعودي لنتائج التحقيق بشأن حادثة مقتل جاشقجي، إلا إن المملكة العربية السعودية بحاجة إلى إصدار مزيدٍ من القرارات الجريئة والصارمة، وإن كانت ستشكل عليها تحديات وعقبات جديدة.

بيد أن المخاطر المحدقة بالمملكة تجعلها أمام خيارين: فإما أن تسارع لتحرير قرارها من سطوة التدخلات الخارجية، وتحسن إدارة علاقاتها مع الدول العربية، وتطرد كافة المستشارين والخبراء الغربيين أو اولئك المتصلين بصلة مباشرة أو غير مباشرة بالإخوان المسلمين من أراضيها، لتتمكن من تحرير قراراتها من تدخلات المستشارين والخبراء الأجانب الذين انتهجوا في المنطقة ولا يزالون ينتهجون سياسة تدميرية ويسومونها سوء العذاب، ولن تستعيد المملكة دورها في قيادة المنطقة بالاستغناء عن كافة الخبراء الأجانب لترتاح المنطقة من سياساتهم التدميرية لدول المنطقة.