ادب وشعر

السبت - 20 أكتوبر 2018 - الساعة 09:29 ص بتوقيت اليمن ،،،

سماح بادبيان


رأيتها وسط الشارع .. فتاة صغيرة سمراء شديدة النحول كعود قصب يابس، في ملامحها ارتسمت خريطة الوطن، من صنعاء إلى عدن… بأوجاعها وهمومها وأحزانها، وبكل ما تحمله من شتات!

من بين جميع الأطفال الذين انتشروا بالقرب من النقاط والمطبات في وسط الشوارع يبيعون أو يشحذون، وحدها شدّت انتباهي، وحدها بدت مختلفة وغريبة عنهم، غرابة شجرة شامخة بين براعم خضراء نامية…!
رأيتها أول مرة بالقرب من نقطة التفتيش في جولة السفينة تبيع علب المناديل تضع على ظهرها كرتونا كبيرا وبيدها علبة ترفعها أماها بحياء دون أن تبرح مكانها متمتمة بصوت هامس لا يكاد يسمع (مناديل.. مناديل)، ثم رأيتها ثانية وقد غيّرت مكانها فأصبحت تبيع مناديلها بالقرب من النقطة العسكرية بعد جولة كالتكس…
تأسرني بوقفتها المنتصبة الصامتة وحجابها المشدود على رأسها.. و نظراتها الضبابية نحو الأفق .. تنظر للأمام بعينين سوداوين واسعتين .. تنظر للأطفال حولها يبيعون ويتشاكسون ويلعبون مبتسمين غير آبهين لحالهم أو لون وشكل المستقبل الذي ينتظرهم .. وحدها تنظر إليهم بنظرة غائمة معتمة وكأنها لا ترى أحدا أمهامها ..هي فقط ترى مستقبلا مخيفا ومجهولا كنفق مظلم فاغر فاه ليبتلعها .. مستقبل طفلة أجبرتها ولابد ظروف حياتها الصعبة كظروف أغلب الناس هذه الأيام ..لتترك مدرستها آسفة وتقف في الشوارع تحت الشمس الحارقة لتكسب قوتها، وتساعد عائلتها التي تحتاج ولاريب لكل يدٍ عاملة فيها حتى يدها الصغيرة النحيلة لتحافظ على رمق حياتها!!
شدّتني إليها في المرتين اللتين مر فيهما الباص من جانبها، وطوال الثواني التي يستغرقها الباص ليتجاوزها وعيناي مسمرتان على عينيها.. أرى في وقوفها المنتصب الخجل حكاية كاملة لما يحمله عالمنا من بشاعة وظلم ونفاق ...
وأتساءل طوال الطريق ما تفاصيل الحكاية التي تطويها في قلبها بحياء.. ويتولى نقل مفاتيح أسرارها ذاك البريق الأبيّ في عينيها!!
إنها طفلة نعم.. لكن بهموم وطن!!