آخر تحديث :الجمعة-11 أكتوبر 2024-09:54م

الدكتور بليغ يكتب


دول التحالف وأثرها على مسار القضية الجنوبية ... قراءات. الجزء الأول

دول التحالف وأثرها على مسار القضية الجنوبية ... قراءات. الجزء الأول

الخميس - 10 أغسطس 2017 - 07:52 م بتوقيت عدن

- تحديث نت / خاص (د. بليغ اليزيدي)


يحمل عنوان هذا المقال إيحاءا بسلبية تأثير دول التحالف على مسار القضية الجنوبية , خصوصا عند المقارنة بين الأدوار القيمة والهامة والمؤثرة والتضحيات الجسيمة والعظيمة المقدمة من أبناء الشعب الجنوبي في هذه الحرب الدائرة في اليمن السياسي حاليا لصالح دول التحالف وأهدافها , وبين الواقع الحالي المباشر الذي يعيشه الجنوب أرضا وإنسانا , سياسيا واقتصاديا وامنيا , فلم يكن عنوان المقال انتصار دول التحالف لهدف الشعب الجنوبي أو مؤزرتها للقضية الجنوبية لعادلة , أو دول التحالف تنتصر للجنوب ,كما انتصرت عدن للعرب .
وهذه مسالة لها ما يدعمها من حقائق فقد فرض التناقض الغريب وغير المفهوم بالمنطق السوي العاقل المحق و القائم في الفرق الشديد الوضوح بين حجم ما قدمه ولا يزال يقدمه أبناء الجنوب من ثمن باهظ بشريا واقتصاديا ومعيشيا وصحيا واجتماعيا وحتى سياسيا حتى الآن لدول التحالف وبالذات الرياض وابوظبي وبين الجزاء (السنماري) الذي نراه قائما في لواقع الجنوبي المباشر, كل هذا فرض سؤالا حول اثر دول التحالف على المسار السياسي للثورة الجنوبية وحراكها السلمي التحرري بكافة أشكاله وتجلياته وفعالياته وكذلك القضية الجنوبية ومسارها السياسي .
ولعله من المفيد هنا وضمن محاولاتنا لفهم اثر دول التحالف على المسار الثوري و السياسي الجنوبي أن نراجع التاريخ ومواقف هذه الدول ومنطلقاتها تجاه الشعب الجنوبي ونظمه السياسية المتعاقبة في العصر الحديث وقضيته الجنوبية حاليا. وتحديدا منذ عهد المشيخات والإمارات والسلطنات الجنوبية قبل الاحتلال البريطاني وحتى الآن, على اختلاف هذه النظم الحاكمة و أسسها وفكرها , مع التركيز على مواقف هذه الدول في فترة الإعداد لمشروع الوحدة اليمنية ثم توقيعها ثم حرب 94 م مرورا بثورة التغيير في صنعاء وحادث مسجد النهدين و المبادرة الخليجية , وسيطرة الحوثين على الدولة اليمنية وإعلان الحرب من قبل دول التحالف بناء على طلب هادي وصولا إلى حرب صيف 2015 م و بروز دور المقاومة الجنوبية وما طرأ عليه من تغيرات حتى الآن .
إن هذه المراجعة تحمل أهمية كبيرة في فهم طبيعة الأسس وبالتالي فهم المواقف من قبل دول التحالف وتحديدا الرياض وابوظبي تجاه الشعب الجنوبي و التحولات السياسية في الجنوب كما اسلفنا , كما ستساعد على استيعاب الفرق في المواقف القائم من قبل هذه الدول في طريقة تعاملها المتناقضة للغاية بين الشمال والجنوب.
فالتعامل مع الشمال المقسم قبليا وطبقيا ومذهبيا لما يزيد عن ألف سنة خلت من الزمن من قائدة التحالف ودولها ذات النظم الملكية منذ المملكة المتوكلية الهاشمية في عهد حكم الأئمة مرورا على دولة الجمهورية العربية اليمنية وحتى مشروع الوحدة وما تلاه من تغيرات كبيرة وصولا إلى اليوم , مع مؤسسات وأنظمة الحكم شمالا ( وهي مؤسسات حكم مذهبي زيدي شيعي ) ظلت قائمة على الحفاظ على التعامل على الأساس السياسي لا الايدولوجي أو الديني أو المذهبي كطريقة مناسبة ومنتجة للحلول وكذلك المصالح الاقتصادية لمؤسسات الحكم في الشمال (سواء الدينية أو المشيخية أو العسكرية) كأساس للتفاوض مع هذه المؤسسات الحاكمة حال وجود أي نزاعات ولكم في التفاقيات الموقعة بين المملكة المتوكلية و السعودية خير مثال .
ونفس المراجعة تكشف بوضوح للمتابع الحصيف ان التعامل مع الجنوب السني المتجانس قبليا وطبقيا ومذهبيا و المشيخي السلطني ذو التوجهات الثورية القومية , ثم الجنوب الجمهوري الاشتراكي المناهض للحكم الملكي , مرورا بالجنوب المحتل عسكريا من قبل المؤسسات الشمالية الزيدية الشيعية, وصولا إلى الجنوب الثوري الحراكي السلمي الباحث عن هدف سياسي والمنادي بقضية سياسية تهدف إلى إقامة واستعادة سيادة دولته بكامل حدودها الجغرافية وترابها الوطني قبل اتفاقية الوحدة ,كان مختلفا تماما . تكشف هذه المراجعة أن هذه الدول الملكية كانت دائما وأبدا تجد أن التعامل مع الجنوب الحر وشعبه على أساس ايدولوجي أو ديني أو مذهبي مؤخرا ,لا على أساس سياسي إلا حين الضرورة و استنادا على فكرة مكره أخاك لا بطل أو ضرورة المصلحة المشتركة , هو الأفضل لها والمتماشي مع نظمها وعقلية الحكم فيها وهو الأكثر تأثيرا في حركة الجماهير الشعبية الجنوبية وتجييشها واستنفار أو استغلال مشاعرها, وكذا أن الحلول الأمنية هي الأفضل في مواجهة أي فكر أو مشروع سياسي جنوبي لهذا الشعب الجنوبي وقواه الحية وهو الكفيل بحرف أي مسار سياسي ( يفنرضون هم انه معاد لنظم الحكم الملكي) في الجنوب كالقضية الجنوبية ( وهو ما يعتبرونه خطرا على مؤسسات العرش ومصدر إحراج لهم كذلك) عن تحقيق هدفه أو على الأقل تطويعه أو إضعافه مؤقتا (ولم يكن هذا الأمر حصرا عليهم فقد انتهج علي عبدالله صالح نفس النهج جنوبا لسنوات عديدة ولا شك إنهم استفادوا كثيرا من نصائحه و معرفته وخبرته بهذا الأسلوب عبر نجله احمد المقيم في ابوظبي ).
ومن كل ما سبق يمكننا تفسير الكثير من الأمور التي تتناقض في المشهد الحالي وسنورد هنا بعضها على سبيل المثال :
لم تمانع دول التحالف وإعلامها أو دعمها من الوقوف وراء الوحدات العسكرية الجنوبية تحت مسمى (قوات الشرعية والمقاومة الشعبية ضمن حدود ضيقة تمكنها من التحكم بها وأدارتها كملف امني ذو وظيفة أمنية ) لمواجهة الحوثيين أو الجماعات الإرهابية المسلحة كالقاعدة جنوبا, ولكنها لم تسمح أبدا بتجاوز الخط الأحمر من قبل أي طرف جنوبي , وذلك بالانتقال نحو الملف السياسي الجنوبي ألا وهو القضية الجنوبية.
تتفاوض دول التحالف مع قوى الحكم شمالا المختلفة والمتصارعة على أساس سياسي ففاوضت الحوثيين الانقلابيين في الكويت وعمان مثلا وعينت علي محسن الأحمر ( التابع لتنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي والمدعوم من دولة قطر ) نائبا لرئيس الشرعية المقيمة في الرياض) ولكنها ترفض رفضا قاطعا الحديث مع أي جنوبي على أساس سياسي أو تغطية أي فعالية سياسية جنوبية , أو السماح لأي أصوات جنوبية سياسية محكنة وذات تأثير بالحدبث في إعلامها عن القضية السياسية الجنوبية إلا ضمن دغدغة مشاعر الجماهير الجنوبية أو امتصاص غضبها تجاه الوقائع المشاهدة في الجنوب المحرر والخاضع لسيطرة ومسؤولية دول التحالف .
لم تمانع دول التحالف من تقديم قوى الحرس القديم من الحزبيين الشيوعيين الجنوبيين إلى واجهة المشهد السياسي الجنوبي ودعمهم , فتحقق لها بذلك هدفين الأول أن بقاء هذه القوى الشيوعية التي يرفض العالم التعامل معها كعذر لعدم التعامل مع الجنوب سياسيا , والثاني إدراكهم بان الشيوعيين سيكونون بحسب عقليتهم الصراعية سيكونون مصدر لصنع الفرقة السياسية في أوساط القوى الجنوبية السياسية ومعول لهدم أي تحرك من القوى السياسية الجنوبية الحية نحو تقوية المسار والملف السياسي الأكثر أهمية وتأثيرا , أي مسار القضية الجنوبية .
ومن مثل هذه الأمثلة الكثير الكثير مما لا يسع طرحه هنا وليس هذا مقامه .
بعد كل ما سبق من حديث عن فهم المنطلقات والأسس التي تعتمد عليها دول التحالف في مواقفها تجاه الشعب الجنوبي والقضية السياسية الجنوبية وأثرها على مساره , ما هو التوجه الذي تصنعه هذه المنطلقات والأسس في الوقت الحالي لدول التحالف ؟ وما هي الأخطاء وثمنها التي ستنتج من مثل هذا التعامل من قبل دول التحالف مع الجنوب السياسي واستمراره؟ وماذا يراد تحقيقه جنوبا بشكل عام ؟ والى أين يتجه الجنوب سياسيا مستقبلا بحسب هذه القراءات؟ والاهم من هذا لماذا هذا الغياب السقيم لأصوات العقلاء في الجنوب ؟
هذا ما سنحاول تناوله ضمن قراءات واجتهادات متواضعة في قادم الأيام إن شاء الله .
همسة : خراب الأمم ليس محصورا فقط في تسيد الأشرار , ولكنه أيضا يأتي دون أي شك من صمت الأخيار .