آخر تحديث :الأربعاء-29 مايو 2024-11:03م

الدكتور بليغ يكتب


دول التحالف وأثرها على مسار القضية الجنوبية ... قراءات . الجزء الرابع

دول التحالف وأثرها على مسار القضية الجنوبية ... قراءات . الجزء الرابع

الخميس - 28 سبتمبر 2017 - 08:03 م بتوقيت عدن

- تحديث نت / خاص .


فكرة واحدة, وتحديات مختلفة.
ها نحن الآن نستأنف و نتساءل ونقارن في إطار محاولتنا لفهم اثر التحالف ودوله على مسار القضية الجنوبية عن الفكرة الأساسية التي قدمتها ثورة الشعب الجنوبي وحراكه السلمي التحرري ودافعت عنها للتعامل مع تحدي ذلك الوقت ألا وهو نظام صنعاء أيام علي عبدالله صالح , وهي فكرة المطالبة بحق الشعب الجنوبي في استعادة السيادة على أرضه و مستقبل أجياله القادمة و التخلص من الاحتلال وكل مظاهره من الظلم والعدوان والطغيان بالطرق السلمية .
وقد كان نتاج اعتناق هذه الفكرة وتطبيقها والالتزام بها أن حول استخدام أدوات القمع التي كانت بيد نظام صنعا ضد ثورة الشعب الجنوبي إلى أداة قوية بيد الحراك الجنوبي السلمي التحرري ,لا بيد نظام صنعاء , وكلما زاد القمع ضد الشعب الجنوبي وحراكه السلمي, زاد ضعف النظام وعجزه , وانكسر حاجز الخوف أكثر وأكثر , وزادت قوة الثورة الجنوبية وحراكها السلمي ومنطقها السياسي ومؤيدوها .
أن هذه الفكرة الصلبة والقائمة على الدفاع عن الحق ومواجهة الباطل , والتي استمدت صلابتها من القيم الدينية والإنسانية والأخلاقية , هي التي أكسبت ثورة الشعب الجنوبي القوة والاستمرارية , هي الفكرة التي صنعت قناعات صلبة في نفوس أبناء الجنوب للقيام بجميع أنشطة وفعاليات ثورتهم ,وظهرت في تنوع مظاهرها وأشكالها في مواجهة أجهزة قمع نظام صنعاء , هي الفكرة التي على أساسها قدمت التضحيات الكبيرة العظيمة من شهداء وجرحى ومعتقلين واستمرت وتميزت بالصبر وطول النفس ثقة في سنة الإله الخالق في غلبة الحق على الباطل .
ولم تفلح أية من أساليب القمع على فظاعتها وجرمها وحجم ضحاياها , ولا تكتيكات شراء الذمم وتطبيق سياسة فرق تسد أو تقديم شخوص جنوبية المظهر موالية لنظام صنعاء القمعي في مواجهة هذه الفكرة والقضاء عليها , أو بأقل القليل التقليل من حجمها أو تطويعها بما يتماشى مع استمرار وبقاء مصالح نظام صنعاء في تلك الفترة .
ثم جاءت سلطة تلك الجماعة الطائفية المظلومة,و التي مورس عليها الظلم والطغيان لسنين طويلة إلى صنعاء بقوة السلاح وفكرة مظلومية أهل البيت في محاولة لاستعادة ملكها الضائع في الشمال , ولم تتوقف عنده , بل غزت العاصمة الجنوبية عدن وعادت لتمارس نفس الظلم الذي مورس عليها , في الجنوب وضد أهله , بنفس طائفي وتحت يافطة هزيلة شعارها (محاربة الدواعش ) وهنا لم تتغير الفكرة بل تغير التحدي أمام ثورة الشعب الجنوبي فكانت حرب مارس 2015 م فحمل الشعب الجنوبي السلاح دفاعا عن الدين والأرض والعرض . ثم أتت دول التحالف و التي عجزت عن القيام بأي تقدم حقيقي على الأرض مضرة إلى دعم الجهد الجنوبي ضد الحوثيين تحت شعار (إعادة الشرعية) وتحقيق أهداف (التحالف ) في اجتثاث الحركة الحوثية التي تشكل خطرا على دول التحالف .
وهنا حدث الخطأ الأكبر , فقد خيل للجنوبيين أن الوضع والتحالف الجديد المؤقت التي فرضته الضرورة بين ثورة الجماهير الجنوبية الحاملة للسلاح وحراكها وبين مصالح دول التحالف , هو تحالف استراتيجي سيفضي في النهاية إلى تحقيق الهدف الجنوبي المنشود , وعليه فأن هذا التحدي الجديد يحتاج إلى رفع الفكرة الأكثر صلابة , واعني فكرة المطالبة بحق الشعب الجنوبي في استعادة السيادة على أرضه و مستقبل أجياله القادمة و التخلص من الاحتلال وكل مظاهره من الظلم والعدوان والطغيان بالطرق السلمية , فكرة يجب أن توضع على الرف خصوصا مع انتقال كثير من القوة المسلحة إلى أيدي الجنوبيين , وعليه جاءت هذه الفكرة السخيفة الفاشلة و التي جاءت تحت شعار (التكتيك), فتحولت الفكرة الأصيلة الصلبة التي أثبتت نجاحها و القائمة على الحق الجنوبي إلى (تكتكة ) تخضع لمزاج الأشخاص وأهوائهم ومصالحهم ورؤيتهم الفردية الضيقة للجنوب , فماتت فكرة ثورة الشعب الجنوبي التي حمته من العبث ومعيارها الذي اسقط شخصيات كانت تعتبر هامات و فتحت الباب واسعا أمام أسوأ الشخصيات السياسية وأعظمها جرما وأكثرها دموية و ظلما للشعب الجنوبي والتي لم تكن تجرأ حتى على الحديث , ليس للحديث فقط , وإنما للتبجح بأدوارهم والاستخفاف بتضحيات الشعب الجنوبي والرقص على آلامه وتحديه بطريقة سافرة , فقد تنازل الشعب الجنوبي حين تنازل عن فكرته و رضي بهذه التكتكة عن معاييره الصلبة ومنطقه السياسي , وصار ليس فقط التحالف, وإنما كل الأطراف المؤثرة في المشهد الجنوبي أكثر أريحية في تنفيذ ما يريدون وبما يتوافق مع مصالحهم دون أي اعتبار لثورة الشعب الجنوبي أو أهدافه أو تضحياته وبأقل التكاليف , وصار تطبيق السياسات المفتتة للمجتمع للجنوبي و جهوده وصنع الصراعات (والذي كان صعبا وفاشلا ودون أية نتيجة في أيام الحراك الأولى) أمرا ممكنا ويؤتي آكله وبحسب المخطط له .
إن ما أريد أن أوصله للقارئ الكريم في هذا الجزء , هو أن تأثير التحالف ودوله على مسار القضية الجنوبية بما له وما عليه لم يكن فقط نتاج لعمل التحالف على ملف القضية الجنوبية فقط , ولكنه أيضا كان نتاجا لعجز الكثيرين عن الفهم السليم وصمت آخرين عن قول الحق , ولم تمت الفكرة الأصيلة الصلبة القائمة على الحق في مجتمعنا الجنوبي, فهي لا تزال حية قائمة ولكنها أمست هزيلة مهزوزة ضعيفة , وتحتاج إلى من يرعاها ويعيد لها قوتها لتقوم بواجبها في بقاء و صمود ثورة الشعب الجنوبي وحراكها السلمي التحرري حتى تحقيق أهدافه .
همسة في أذنكم : فاقد الشيء لا يعطيه , وأصعب الحروب وأكثرها تأثيرا هي حروب العقول والأفكار .
د.بليغ اليزيدي
الخميس
28 سبتمبر 2017 م
Dr_b_alyazeedi@yahoo.com