آخر تحديث :الأربعاء-29 مايو 2024-11:03م

الدكتور بليغ يكتب


دول التحالف وأثرها على مسار القضية الجنوبية ... قراءات . الجزء الخامس والأخير

دول التحالف وأثرها على مسار القضية الجنوبية ... قراءات . الجزء الخامس والأخير

الخميس - 12 أكتوبر 2017 - 01:03 ص بتوقيت عدن

- [تحديث نت]خاص:

.
حسنا أيها الأحبة ....
اعلم انه قد طال المقال وأجزاؤه , واني هنا أتمنى من القراء والمتابعين الاكارم تحمل الإطالة مع شكري وتقديري المسبقين لما اقتطعوه من جهد و وقت صرفوهما لقراءة المقال ومتابعة أجزائه ,و لعلي أردت بالتجزيء أن أعطي كل نقطة حقها من التوضيح والتحليل , كما أردت أن أؤكد للقارئ الكريم أهمية الفهم الشامل للعوامل المختلفة المؤثرة في مسار قضيتنا الجنوبية الوطنية , وأهمية هذا الفهم في استيعاب حقيقة ما يجري لثورتنا ومصير شعبنا ومستقبله , وما يحققه هذا الفهم من قدرة على إيجاد الحلول الحقيقية لمعضلتنا الجنوبية .
و سأسرد مراجعة مختصرة لما تم تناوله في الأجزاء السابقة لإيضاح الصورة والمشهد الأكبر للقاري المتابع , ومساعدة القاري المستجد على استيعاب ما تم طرحه في الأجزاء السابقة .
كنا قد تحدثنا في الجزء الأول عن طبيعة المنطلقات والعقليات الحاكمة في دول التحالف وكيف حددت هذه المنطلقات والعقليات ما يحصل في المشهد اليمني عامة والجنوبي خاصة من ردود أفعال وتعاملات مع الأطراف وكيف مكنتنا من تفسير التناقضات الحاصلة هنا وهناك , فيما تناول الجزء الثاني المؤسسات المختلفة التي صنعها التحالف ودوله في الجنوب وما لها من اثر حالي ومستقبلي وتحدثنا أيضا عن الأسباب التي تخص الجنوب وشعبه وثورته و التي مكنتهم من العمل بهذه الأريحية في الجنوب, وتناول الجزء الثالث حقيقة ( الحوار الحقيقي) الذي يمكنه فعلا الانتقال بالقضية الجنوبية إلى مستواها المأمول والفرق بينه وبين حقيقة ما يجري من تبعية مفرطة من قبل بعض الإطراف الجنوبية لهذا الطرف أو ذاك , فيما كان موضوع الجزء الرابع يختص بفكرة الثورة الجنوبية وحراكها السلمي الأصيلة والتي مكنت ثورة الشعب الجنوبي وحراكه السلمي من مجابهة كل التحديات التي واجهته بنجاح , كما تناول اثر التنازل عن هذه الفكرة الأصلية من قبل الأطراف الجنوبية أو محاولة احتوائها من قبل الأطراف الإقليمية على مسار القضية الجنوبية .
لقد حملت الأجزاء السابقة تنبيهات وتحذيرات وكذا همسات و اقتراحات ونصائح مختلفة ومتعددة للقوى الجنوبية الفاعلة والموالية لهذه الدولة أو تلك في دول التحالف العربي حول مغبة توجههم الحالي الذي ينتهجونه وأثره السلبي على مسار القضية الجنوبية والشعب الجنوبي الحالي والمستقبلي, انطلقت هذه التنبيهات والاقتراحات من القناعات المشتركة والصلبة التي اعتنقها الشعب الجنوبي منذ بداية ثورته, والتي ظهرت بوضوح وصلابة في الواقع الجنوبي في ممارسات الحراك الجنوبي وجماهيره , والتي تدعي هذه الأطراف قناعتها بها , وتحرص على إظهارها وتأكيدها سواء في مواقفها المعلنة أو في شعاراتها المرفوعة .
وهنا تبرز المعضلة ( واعني الحجة التي تحمل شعار التكتكة ) و التي اختصرها يوهان فولفغانغ فون غوته في مقولته ( لا يوجد من هو اكثر عبودية وبلا أمل في الانعتاق منها , من اؤلئك الذين يتوهمون خطأ أنهم أحرار ).
هذه المعضلة لم تنتج فقط من الإحساس الخاطئ الذي طال الجنوبيين بأن تحررهم من الاحتلال الشمالي يكمن في فكرة أن التسلح الجنوبي ( رغم أهميته البالغة في بناء قوة الدفاع عن النفس و الضرب على أيدي المخربين وتثبيت الأمن والذي كان الجنوبيون وقوده ولم يكونوا أبدا صانعي القرار فيه أو موجهيه ) والذي نتج عن التغييرات في موازين القوى التي حصلت في صنعاء وصولا إلى حرب صيف 2015 م وما تلاها , هو وحده , و وحده فقط , كفيل بتحقيق الهدف والأمنية الجنوبية في استعادة السيادة والحرية والتخلص من الاحتلال الشمالي , بل كان نتاجا أيضا للوعود و التأكيدات اللفظية من قبل التحالف ودوله وقياداته, والتي لم يثبت صدقها أو حتى ملامح للصدق فيها إلى الآن ,و التي استندت على استغلال الطبيعة العاطفية للشعب الجنوبي , بالإضافة إلى تسيد الواجهة الجنوبية السياسية لأفكار هزيلة قائمة على المصالح الذاتية أو الفهم القاصر و غير السوي أو المخاوف من ماضي الصراعات السياسية ومستندة على الاستغلال البشع واللاخلاقي لحالة الضعف الجنوبي سياسيا واقتصاديا وتنظيميا .
ولعل ابرز ما يؤكد صحة هذه القراءة في أيامنا الحالية هو هذا الضخ الإعلامي الكبير في الملف الأمني في العاصمة عدن والذي حول مسار ثورة الشعب الجنوبي وجهودها بأفكارها الأخلاقية القائمة على التصالح والتسامح و الحق والعدل و الحرية و مواجهة الظلم والطغيان وأهدافها السامية وتضحياتها الجليلة العظيمة من هدف وطني يسعى إلى الخروج من احتلال بغيض مع كل مظاهره البشعة واللانسانية, إلى ارض خصبة لتصفية خلافات الأطراف غير الجنوبية المحلية منها والإقليمية والدولية عبر صناعة صراعات جنوبية بينية وهمية لا ناقة للجنوبيين فيها ولا جمل وبواجهة جنوبية أو تدعي جنوبيتها مع الأسف .
ويبقى السؤال الملح ,و الأكبر والأكثر أهمية في هذا التوقيت الحرج والشديد الحساسية خصوصا مع بقاء أيام على ذكرى 14 أكتوبر هو, ماهية حقيقة المشهد الجنوبي وصورته الأكبر و التي أدت بنا إلى هذا الوضع ؟ والاهم ما هي الحلول الممكنة لهذه المشكلة ؟
حقيقة المشهد الجنوبي قي صورته الأكبر يمكن فهمها من فهم طبيعة المتحكم في المؤسسات الفكرية و الإعلامية و التعليمية و السياسية والدينية القائمة في الجنوب وأثرها في المجتمع الجنوبي والتي تعمل مشتركة ومتناغمة لتغطي على اثر المؤسسة الأهم والأكثر تأثيرا على الإطلاق في ظل حال السياسة والاقتصاد العالميين , و الأقل بقاء تحت دائرة الضوء والأقل تناولا ويا للغرابة , ألا وهي المؤسسة الاقتصادية والمالية وأثرها , فالفقر الذي حل بالشعب الجنوبي بكل مظاهره ونتائجه والذي فرض عليه رغم غناه وتنوعه الفكري والثقافي والتاريخي والجغرافي وتعدد مصادره الطبيعية منذ جلاء الاستعمار البريطاني وحتى الآن , والذي يتضح أن وتيرته ظلت في ازدياد مطرد و متصاعد وصار اكثر بشاعة وتدميرا وفحشا في الفترة الأخيرة , لم يكن وليد الصدفة أبدا , بل هو أداة يتم استخدامها بذكاء ودون أي إنسانية .
ولكم أن تراجعوا حال العملة اليمنية وسعرها مقابل الدولار ,وبنكها المركزي ووظائفه ونقله إلى عدن ورواتب المواطنين الغائبة إلى اجل غير مسمى, وأوراق البنكنوت التي صدرت وبلغت المليارات , ولم يرى لها الجنوبيون أي اثر في حياتهم الاقتصادية , لكم أن تضيفوا حجم المال الهائل والسيولة النقدية اللانهائية التي تقف وراء دول التحالف وما ينشر عن ما تقدمه من أموال في مختلف المجالات الاغاثية وغير الاغاثية دون أي مظاهر ملموسة لهذا المال الذي يقال انه وصل أرقام فلكية في المجتمع الجنوبي , لتروا أن المؤسسة الاقتصادية جنوبا , كان هدفها و واجبها المناط بها جنوبا أن تخلق الندرة والحرمان , لتخلق لنا الجريمة , تلك الجريمة التي يخلقها الفقر المقرون بندرة الحصول على فرص العمل والحرمان منه ,فيما تقوم المؤسسة الأمنية بدورها المقابل و الذي يحقق مصالح الأطراف المؤثرة حتى على حساب دماء الأبرياء وحياتهم , فلك أن تتخيل إذا ما تمكن الجنوبيون من الحصول على ضروريات الحياة الأساسية , عبر استخدام وتشغيل موانئهم ومطاراتهم , و الاستفادة من ثرواتهم البشرية و الزراعية والسمكية الخ ... حتى في حدودها الدنيا , إذا لما كانوا في حاجة إلى اللجوء للعبودية أو الاستدانة من الغير بفائدة أو المقايضة السياسية كما يحصل وبوقاحة شديدة من بعضهم , ولتصرفوا بطريقة مختلفة تماما , فملاذي سيدفع شابا جنوبيا مثلا للتضحية بحياته مقابل 1000 ريال سعودي خارج حدود وطنه ودون أي هدف أو مصلحة حقيقية له أو لأسرته أو لوطنه أو لقضية يؤمن بها ,إذا ما توفر له ما يسد احتياجاته الأساسية في حدودها الأدنى في وطنه ؟ّ.
إن هذه القراءة المتواضعة و التي أقدمها عن شرح الحال الجنوبية المباشرة , تحاول مجتهدة أن تشرح لنا طبيعة النظام السياسي والاقتصادي العالميين القائمين في زمننا هذا , وما هي الأسس التي ينطلق منها وما هي الآلية التي يعمل بها , وماهي اللغة التي يجب علينا كجنوبيين أن نتخاطب بها مع هذا العالم لنصل إلى تفاهمات معه تحقق مصالحنا , وكيف يتم صناعة الحرب أو الفقر مثلا لتنفيذ أهداف الأطراف والحفاظ على مصالحها , فالمصالح هي اللغة الوحيدة التي يفهمها الإقليم والعالم , دونها انك إذا ناديت أسمعت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي .
الآن ما هي الحلول الممكنة لثورة الشعب الجنوبي وحراكه السلمي وجماهيره العريضة أمام هذا التحدي ؟
الحل الأول والذي أؤمن به بشدة ولا أزال مقتنعا ببقائه سدا منيعا لحماية القضية الجنوبية ومستقبل الأجيال القادمة للشعب الجنوبي وهو بقاء هذه القضية والتمسك بمبادئها وأهدافها وأدبياتها معيارا ثابتا للقياس أمام كل ما يستجد من أحداث أو تغيرات أو يقدم من أفكار . فلا يصلح أن نتهم جزء ممن عملوا تحت راية الشرعية بالتخوين ومعاداة ثورة الشعب الجنوبي , ثم نعطي لجزء آخر أوسمة الوطنية لقيامها بنفس العمل تحت عذر ( التكتكة ) أو حسن النية والمعرفة .
الحل الثاني: وجب التعامل مع التحديات السياسية الماثلة أمام الأطراف الجنوبية الفاعلة بأساليب سياسية لا أمنية , وهنا اعني أن التعامل مع التنظيمات السياسية التي تحمل عداء سياسيا للقضية الجنوبية لا يجب أن يأخذ مجرى امنيا حتى في حالة انتهاجهم لأساليب أمنية , بل يجب التفصيل في مجريات الأمور والفصل بين نشاطاتهم السياسية و أفعالهم الأمنية , وذلك لسبب بسيط , إن هذا التعامل لا يحقق أي نصر للقضية الجنوبية على أية مستوى ,بل انه يقلل من مستوى وقدر القضية الجنوبية من خانة ثورة شعب باحث عن الحرية إلى خانة ثورة تعادي تنظيم , وهذا اقل ما يقال عنه انه حماقة وسخف .
الحل الثالث : يجب رفع حالة الخطاب مع دول التحالف من مستوى التبعية العمياء والولاء المطلق إلى مستوى الشريك والند الذي يملك حق المساءلة والتفاوض , لأنه دون هذا المستوى من الخطاب لن يكون هناك أي تقدم على المستوى السياسي .
الحل الرابع: يجب التعامل من قبل الأطراف الجنوبية الثورية الفاعلة مع الشرعية وكل من ينضوي تحت رايتها كنظام للجمهورية اليمنية , ولهذا فائدة عظيمة , فأي تقدم يحصل نتاج جهود للأفراد سواء الجنوبيين أو غير الجنوبيين لصالح القضية الجنوبية سيكون مشكورا معروفا ومقدرا . وأي خلل أو زلل أو محاولة للانحراف بالقضية عن مسارها المأمول سيكون محسوبا على الشخص ولا يؤثر بالقضية الجنوبية .
الحل الرابع : يجب التعامل مع (ذوي الاختصاص ) من الجنوبيين المنضويين تحت الشرعية برحب صدر لا يخل بالالتزام بالقضية الجنوبية , فهؤلاء تقنيون ذوي خبرة ومعرفة و قادرين على ايجاد حلول للمشاكل المباشرة التي يواجهها المواطن الجنوبي سواء في مجال الخدمات أو غيره من المجالات ومحافظ عدن الأخ عبدالعزيز المفلحي مثال على ذلك .
الحل الخامس : يجب التعامل مع التحدي الأمني الذي يواجهه المجتمع الجنوبي كملف متكامل يؤثر على المجتمع الجنوبي واستقراره ككل ويجب الوقوف أمامه ككل , ولذلك فان الحاصل من تخصيص وتصنيف في المجتمع الجنوبي للجهات الأمنية كامن محافظة عدن أو الحزام الامني أو الحرس الرئاسي وغيرهم كواجهة لقوى سياسية جنوبية ما هو تزكية لنار الفتنة, وفتح باب للعبث بالمجتمع الجنوبي وأواصره وروابطه , ولن يسلم منه احد .
الحل التالي :....
هذه سأتركها مفتوحة للزيادة والمشاركة للإخوة والأحبة .
همسة قي أذن الجميع : قد يشعل فتيل أي ثورة في أي مجتمع قلة من المؤمنين بفكرة ما, ولكن يلزم أن يتفاوض الجميع في هذا المجتمع حول مصالحهم ليصلوا إلى الاستقرار .
د.بليغ اليزيدي
ليلة الأربعاء
11 أكتوبر 2017 م