آخر تحديث :الجمعة-11 أكتوبر 2024-09:54م

الدكتور بليغ يكتب


الحكمة ضالة الجنوبيين والظلم عدوهم ... والحقيقة بطبيعتها مؤلمة. الجزء الأول

الحكمة ضالة الجنوبيين والظلم عدوهم ... والحقيقة بطبيعتها مؤلمة. الجزء الأول

الخميس - 09 نوفمبر 2017 - 06:46 م بتوقيت عدن

- تحديث نت / خاص .


بسم الله الرحمن الرحيم العالم , الرب الخالق القادر , و نسأله العزيز الجبار الهداية ونثني عليه بكل ما يتناسب مع جلال قدره وعظيم سلطانه و نتم الصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد بن عبدالله القرشي العدناني , وعلى أهله وأصحابه الطيبين الطاهرين ,,, أما بعد ...
قبل أن ابدأ في موضوعي اليوم والذي سيكون مختلفا بعض الشيء ,أود أن اذكر الأحبة القراء بحقيقة الشعب الجنوبي , الذي هو شعب مسلم وبذلك هو جزء من الأمة الإسلامية التي جعلها الله خير امة أخرجت للناس , الشعب الجنوبي شعب عربي وبالتالي فهو جزء من الأمة العربية , وهو شعب سني شافعي المذهب صوفي التفكير .
الشعب الجنوبي وقبائله التي تشكله بحسب الآية الكريمة يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات .)هو شعب ضارب في عمق التاريخ البشري وله مشاركاته العظيمة في الإرث الإنساني في كافة المجالات الثقافية والعلمية والفكرية وغيرها, منذ الطوفان العظيم الذي حمل سفينة سيدنا نوح عليه السلام وما تلاه . تشهد لتاريخ هذه القبائل ولهذا الشعب العريق الحضارات العظيمة التي أسسها , كما يشهد لها آخر الأنبياء وسيد البشر في أحاديثه الصحيحة بأن الله وهب لهم الملك ثم نزعه منهم ثم سيعيده لهم في قوله صلى الله عليه وسلم عَنْ ذِي مِخْمَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِي حِمْيَرَ , فَنَزَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ فَجَعَلَهُ فِي قُرَيْشٍ , وَ سَيَعُودُ إِلَيهم " , قال عبد الله بن الإمام أحمد : كَذَا كَانَ فِي كِتَابِ أَبِي مُقَطَّعًا , وَحَيْثُ حَدَّثَنَا بِهِ تَكَلَّمَ عَلَى الِاسْتِوَاءِ .
( مسند احمد ) : 16873 وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده جيد صَحِيحُ الْجَامِع : 4463, كما شهد النبي العربي الأمي لقبائل هذا الشعب بالأخلاق الحميدة الحسنة حين أتته وفود اليمن فسماها بأسمائها و أعطاها صفاتها فكانت حمير وكندة وغيرهما .
وكما كانت هذه الحضارات شاهدة لهذه القبائل ولهذا الشعب العظيم بحجم مشاركته الكبيرة والايجابية المثمرة في التاريخ الإنساني عبر تاريخ البشرية بأكمله والذي شهد الرسالات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام , فقد كانت دليلا على التزام هذه القبائل وهذا الشعب بمعايير العدل والرحمة وقيمة الأخلاق وأثرها في صناعة الحضارات وديموميتها , واعتناقهم القوي العميق لهذه القناعات , ليس فقط بين بعضهم البعض وضمن العلاقات الاجتماعية التي تربطهم بحكم القرابة وصلة الرحم , ولكن مع باقي البشرية دون استثناء, وجاء حديث خاتم الأنبياء برهانا وتأكيدا على هذه الحقيقة قيما روي عنه روى البخاري (4388) ومسلم (52) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا ، الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ ) وفي رواية لمسلم (52) ِ: ( جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً ، الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْفِقْهُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ ) , كما كانت دليلا على اهتمام الشعب الجنوبي وقبائله ومعرفتهم بقدر العلم و العلماء , و لجوئهم للحكمة والحكماء كمرجع لحل المشاكل ومواجهة الصعوبات والتحديات التي واجهتهم .
وكان السؤال الذي وجب ليس فقط على الجنوبيين وإنما على عموم الأمة الإسلامية جمعاء البحث عن إجابة عليه لماذا نزع الملك من حمير القبيلة الأكبر في هذا الشعب ولماذا قدر الله أن الملك سيعود إليهم لا محالة ؟
إن هذا السؤال والإجابة عليه ليس مفصولا عن باقي نصوص الإسلام في قضايا جوهرية كعلامات أخر الزمان وعودة الخلافة الإسلامية كنظام عالمي للحكم وعودة المسيح عيسى ابن مريم و ظهور المهدي في مكة المكرمة وجيش عدن أبين وأحوال الشام حينها وغيرها , بل هو مرتبط معها شديد الارتباط .
وأنا هنا لست أحاول أن أقدم مجتهدا تفسيرا لتنبؤات النبي صلى الله عليه وسلم , ولست في صدد تعظيم الشعب الجنوبي وقبائله بجعلهم شعب الله المختار المتفوق على باقي البشر ,فالله الخالق العادل الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين البشر محرما لم يكن ولن يكون عرقيا حاشاه ربي العظيم, فجعل البشر جميعا متساويين أمامه في الحقوق والواجبات , ولسنا الشعب الوحيد الذي كان له حظ من التقدير من الخالق فللشام العظيم حظه أيضا , وكذلك لمصر الكنانة وأهلها حظهم أيضا , وللقسطنطينية حظها كذلك .
ولكني بكل تأكيد أحاول بهذه الأسئلة أن أصل إلى أمرين , الأول هو ما هو الخطاء الجوهري الذي ارتكبتاه كشعب وتراكماته التي أوصلتنا إلى هذه الحالة السيئة في كافة مناحي حياتنا ؟ هل ندفع ثمن إيماننا بديننا ؟ أم أننا تنازلنا عن كثير من أسباب قوتنا فصار حالنا ضعفا وهوانا ؟ أم الاثنين معا ؟ أم أمور وعوامل أخرى لم نعطها حقها من البحث ؟ والثاني أن اعرف ما هو الدور المناط بالشعب الجنوبي وقبائله كجزء من هذه الأمة الإسلامية الخيرة وكيف يمكن لنا أن نستعيد هذا الدور ونمارسه ؟
إن الإجابة على هذه التساؤلات وما يرتبط بها من فهم سوي سليم وعلمي بعيد عن تأثير المؤسستين الدينية و الحاكمة الفاسدة والمفسدة للنصوص الإسلامية سواء في القرءان الكريم أو في السنة الصحيحة ليست ترفا فكريا , أو محاولة لاستجرار الماضي والنعي على أطلاله . بل هو أمر يصب في أس قدرتنا على فهم ما يجري من أحداث وتغيرات حالية وبالتالي قدرتنا على إنتاج الحلول والنهوض بوضع شعبنا و امتنا إلى مستقبل أفضل سياسيا واقتصاديا وبما يتماشى مع ديننا الذي نعتنقه ونصدق صحته و إيماننا بالله العليم و صدق رسالته لنا عبر أحب خلقه إليه , ويتماشى مع ظروف و واقع العصر السياسية والاقتصادية الدولية التي نعيشها اليوم دون إفراط أو تفريط .
هذه مقدمة لحديث سيستمر إن شاء الله .
همسة : يقول الرب الهادي الوهاب مالك الملك وملك الملوك في كتابه العظيم :
(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) [ النحل :89]،
د.بليغ اليزيدي
مغرب الخميس
9 نوفمبر 2017 م

Dr_b_alyazeedi@yahoo.com