بسم الله العلي الكبير المتعال نكمل حديثنا في سلسلتنا الباحثة عن الحكمة و التي تتناول في هذا الجزء الثالث كيف يمكن لنا كجنوبيين وكجزء من الأمتين الإسلامية والعربية الاستفادة من مرجعنا الأول ورسالة ربنا العظيم لنا معشر المسلمين ألا وهو القرءان الكريم ونضرب أمثلة حية واقعية لهذه الاستفادة , وكذا القدرة على قراءة المستقبل السياسي وإنتاج الحلول الممكنة .
وسوف نبدأ من القضية الجنوبية كقضية شعب مسلم عربي يسعى لرفع الظلم عن نفسه و انتزاع حقه في سيادة أرضه و إدارة مقدراته وبالتالي مستقبل الأجيال الجنوبية القادمة ضد ظلم وجور احتلال سياسي واقتصادي وعسكري مورس ضده .
وقد بني هذا الاحتلال الذي ظل يمارس الطغيان والظلم والجور في أبشع صوره على قاعدة حق أريد به باطل , فقد نجح الاحتلال الشمالي بكافة صوره وقواه في تسويق كذبة كبيرة أمام الآمتين الإسلامية والعربية وأمام العالم كمدافع عن فكرة ومشروع ( الوحدة ) كمعنى سامي يحقق القوة والأنفة والعدل والعزة والتنمية للأمتين الإسلامية والعربية منطلقا من منظورها الديني في قوله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) ) ال عمرن ,ومن منظورها القومي الناشىء من فكرة القومية العربية التي أسست لثورات الربيع العربي الأول و التي أثبتت فشلها .
وقد كان الفشل الفكري لهذا الاحتلال ظاهرا من بداية الآية الكريمة بالأمر بالاعتصام بحبل الله الذي بالضرورة لا يمكن وبأي حال من الأحوال أن يشجع على العدوان والظلم واستحلال دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم واستعبادهم وإهلاك الحرث والنسل الذي مارسه ( الوحدويون ) كحق للمنتصر واعتنقوه بقوة وشغف , فيما كان فشله الواقعي واضحا في انعدام وجود أي اثر أو مظهر من مظاهر فكرة ( الوحدة ) ونتائجها الايجابية المتوقعة , فشاعت كل أشكال الفساد والإفساد والاستعباد من الظلم والفقر والجهل و سلب واستهتار بدماء و حقوق الجنوبيين وإنسانيتهم وانتشرت الممارسات اللاخلاقية الذي نهى عنها وحرمها الدين الحنيف كالسرقة و الرشوة وشراء ذمم القضاة والعنصرية في أرجاء الوطن الجنوبي المحتل بتشجيع و رعاية من نظام الاحتلال .
وقد وجد نظام الاحتلال أن فكرة الدفاع عن الوحدة ليست كافية لوحدها (كما ظهر واضحا من ردود العالمين العربي والإسلامي تجاه ما أصدره من فتاوى وما أعلنه من مواقف سياسية وما ارتكبه نظام الاحتلال من جرائم بشعة بحق الشعب الجنوبي) لمواجهة صوت الحق الجنوبي , فأضاف إلى فكرة الدفاع عن الوحدة فكرة عدم قدرة النخب السياسية الشيوعية الجنوبية في وقتها ممثلة بالحزب الاشتراكي اليمني القائم على نظرية الصراع و الذي كان هو الحاكم في الجنوب , على حل خلافاتهم , وبالتالي فأن هذه النخب التي أثبتت ميولها الدموية و فقدانها لأية قدرة على التفاهم بين بعضهم البعض ( وبالتالي هم فاقدون للقدرة على التفاهم مع الآخرين بالضرورة على قاعدة فاقد الشيء لا يعطيه ) ستكرر هذا السيناريو الدموي دون شك حال إعادة السلطة إليهم , وبذلك فهي عاجزة عن إدارة جغرافيا الجنوب وعاجزة أكثر عن الحفاظ على مصالح العالم في هذه المنطقة الجغرافية الهامة للغاية .
وهكذا أحبتي صار وصم الجنوبيين بالانفصاليين والعاجزين عن إدارة الدولة تركيبة النجاح لنظام الاحتلال أمام العالم , طوال تلك الفترة فظلت أكذوبة مشروع الوحدة ودموية الشيوعيين المشهودة في مجزرة في 86 م هي حجتهم المقنعة القائمة على الشعب الجنوبي بأكمله , و قد كان العناد الشديد والإصرار المستميت للقيادة السياسية من الشيوعيين الجنوبيين للحزب الاشتراكي على اختراق وتفريخ وإعادة تفريخ أي فكرة جنوبية بعيدة عن مصلحتهم ومصلحة حزبهم و تصدر مشهد ثورة الشعب الجنوبي وحراكه السلمي التحرري . اعتمادا على استغلال مشاعر الجماهير الجنوبية , (وكان موقفهم إبان حرب صيف 2015 م حين أعلنوا صراحة أن هذه حرب لا تعنينا , احد أكثر الأمثلة وضوحا لطبيعة فكرهم و لموقفهم الحقيقي من ثورة الشعب الجنوبي ) دليلا وضحا على معاداة هؤلاء للشعب الجنوبي ولثورته , وإلا وببساطة شديدة فأن المصلحة في منظورها الثوري و الوطني الجنوبي الذي يدعون هم وعلنا انه احد الأسس الذي يلتزمون بها تلزمهم دينيا وأخلاقيا و من مقتضى مشاركتهم بالتضحية كباقي أبناء الجنوب الذين ضحوا بالدماء والأموال وشاركوا شعبهم مسيرة النضال ,كان كل ما سبق يقتضي ابتعادهم عن المشهد , ناهيك عن أن فشلهم السابق المثبت كرجال دولة ومن ثم صمتهم المخجل والمشين لما حصل لشعبهم الجنوبي ردحا من الزمن كان ليكون كافيا.
و أتت ثورة الشعب الجنوبي وحراكها السلمي التحرري, لترد على الفكرتين, مستندة على هداية رب العالمين وعلى نصوص كتابه العظيم حين قال عزوجل ( وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَسْمَعُوا ۖ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) ) الاعراف ,فأتت أولا فكرة ومبدأ التصالح والتسامح ليؤسس بنيانا قويا للترابط بين الجنوبيين وقاعدة تكون معيارا لطبيعة أي اختلاف وتنوع في الآراء سيحصل مستقبلا في وجهات النظر بين أبناء الشعب الجنوبي, ولمن يكن ردا فقط على الحجة التي يضعها نظام الاحتلال فقط, وإنما كانت أيضا ردا وتفسيرا لصبر المجتمع الجنوبي عن تدخلات الحزبيين في شؤون الثورة الجنوبية بشكل عام , وتدخلات الشيوعيين بشكل خاص , مبدأ يستند على التفهم وتقبل الآخر وحرمة الدماء المسلمة و العدل والتراحم والغفران بين الإخوة الذين كانوا هم الضحية لخلاف الشيوعيين السياسي و لم يكن لهم يد في القرار الذي سفك دماء الأبرياء من أبناء الشعب الجنوبي , وليؤسس دليلا و امثولة واضحة لقدرة الجنوبيين على حل خلافاتهم بما يكفل الاستقرار في المنطقة , ويفتح أبواب النقاش والحوار مع العالم .
ثم جاءت فكرة ( الاحتلال ) بمنظوره السياسي انطلاقا من مفهوم البغي في قوله تعالى ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) ) الحجرات , والتي جاءت تأكيدا للواقع الجنوبي المؤلم و المعاش كشعب مبغي عليه , وأمرا للأمة في الوقوف معه والى جانبه حتى يستعيد حقوقه , وبالتالي كان ردا على كذبة ( مشروع الوحدة )
وأساسا لطبيعة العلاقات التي ستجمع الدولتين في مستقبل الأيام .
الآن أحبتي إن هذه ليست إلا أمثلة يسيرة في التاريخ الجنوبي القريب لعظم منابع الهداية وقدرتها على إنتاج الحلول لما واجهناه من تحديات وصعوبات كشعب جنوبي مسلم وعربي, مصدرها أعظم الكتب السماوية وآخرها , فهل نستطيع أن نجد في هذا الكتاب العظيم حلول للمشاكل والتحديات السياسية الجنوبية الحالية , ونستطيع بالاستناد عليه أن نقدم قراءة سياسية مستقبلية تعيننا في قضيتنا ؟
هذا سؤال سيكون له حديث في قادم الأيام إن شاء الله .
همسة في اذن من يحاولون التكتكة وتخفيف ما يسمونه بفاتورة الاستقلال : يقول الله العليم الحكيم في كتابه الكريم :
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ(138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) ال عمران .
د.بليغ اليزيدي
مغرب الجمعة
24 نوفمبر 2017 م
Dr_b_alyazeedi@yahoo.com