كتابات

الأربعاء - 22 يونيو 2022 - الساعة 02:10 م بتوقيت اليمن ،،،

مدينة كريتر هي مدينة عدن الأصلية التي وصفها الأقدمون و المحدثون. و تعود التسمية الجديدة إلى بداية الإحتلال البريطاني حيث سميت بهذا الإسم الأجنبي الذي يعني (فوهة البركان)، و ذلك لأن المدينة كانت في القديم موضعاً للبراكين. و قد كانت التسمية الأولى لكريتر بعد مجيء البريطانيين هي (أيدن كامب) بمعنى (معسكر عدن) لأن الوجود البريطاني و الحامية البريطانية كانت كلها في بداية أمرها داخل مدينة كريتر

كذلك الميناء فقد كان منذ قديم الأزمان في خليج صيرة و لم ينتقل إلى التواهي إلا بعد حوالي عشرين عاماً من الإحتلال

و من وصف الجغرافيين العرب في العصور الوسطى يظهر بوضوح أن مدينة عدن هي كريتر فقط. فالهمداني مثلاً يقول: (عدن جنوبية تهامية و هي أقدم أسواق العرب. و هي ساحل يحيط به جبل لم يكن فيه طريق ، فقطع الجبل بزبر الحديد فصار لها طريق إلى البر)

أما أبن خلدون فيقول: (و يحيط بها من جهة شماليها على بعد جبل دائر إلى البحر ينثقب فيه من طرفيه ثقبان كالبابين .. و ليس لأهلها دخول و لا خروج إلا على هذين الثقبين)

هذا و في الوصف و الصورة لمدينة عدن في كل من كتابي إبن المجاور و أبي مخرمة نجد أن المقصود بالمدينة هو مدينة كريتر فقط، فلا ذكر إلا لصيرة و جبل المنظر (جبل حقات) و جبل الأخضر (معاشق) و المعجلين

و في العصر الإسلامي قلما نجد كتاباً جغرافياً للرحالة العرب لا يذكر عدن و يصف أهميتها. فالبشاري يقول: (عدن بلد جليل، عامر، آهل، حصين، دهليز الصين، و فرضة اليمن، و خزانة المغرب، و معدن التجارات. كثير القصور، مبارك على من دخله، مثر لمن سكنه، مساجد حسان، و معايش واسعة، و أخلاق طاهرة و نعم ظاهرة)

و يقول الأصطخري في مسالك الممالك: (عدن مشهورة على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن. و هذا الموضع هو مرفأ مراكب الهند. و التجار يجتمعون إليه، لأجل ذلك فإنها بلدة تجارية)

و يصفها القلقشندي بأنها: (من تهائم اليمن و هي على ساحل البحر ذات حط و قلاع... و هي أعظم المراسي في اليمن و بها قلعة حصينة مبنية. و هي خزانة مال ملوك اليمن إلا أنه ليس بها زرع و لا ضرع، و هي فرضة اليمن و محط رحال التجارة. لم تزل بلد تجارة من زمن التبابعة و إلى زمننا، عليها ترد المراكب الواصلة من الحجاز و السند و الهند و الصين و الحبشة و يختار أهل كل إقليم منها ما يحتاج إليه إقليمهم من البضائع)

أما صلاح الدين بن الحكيم فيقول: (المقيم بها في مكاسب و افرة و تجائر مربحة. و لحط المراكب عليها و أقلاعها مواسم مشهورة. فإذا أراد ناخوذة السفر بمركب إلى جهة من الجهات أقام فيها علماً برنك خاص فيعلم التجار بسفره .. و يقع الإهتمام بالرحيل و تسارع التجار في نقل أمتعتهم)

و عن الحكيم صلاح الدين بن برهان: (أن المقيم بها يحتاج إلى كلفة في النفقات... و يحتاج المقيم بها إلى ماء يتبرد به في اليوم مرات في زمن قوة الحر). ثم قال: (و لكنهم لا يبالون بكثرة الكلف و لا بسوء المقام لكثرة الأموال النامية)

و في الكتاب (صفة بلاد اليمن) لإبن المجاور المؤلف في مطلع القرن الثالث عشر صورة حية للحركة في ميناء عدن العظيم و كيف يستقبل سكان المدينة وصول المراكب إليها و ما هي أنواع البضائع التي ترد إلى الميناء و تفصيل العشور على كل سلعة من السلع، ثم يذكر تخريج عشور الشواني و يقصد بذلك أن الحكومة لكي تحافظ على الإزدهار التجاري في عدن كان لها أسطول من السفن الخاصة (الشواني) يقوم بحراسة السفن التجارية في مياه خليج عدن من غارات قراصنة البحر

ثم يشير إبن المجاور إلى قيام الوالي الأيوبي عثمان الزنجبيلي في بناء سور يفصل بين المدينة و خليج صيرة. و قد بني لذلك السور ستة أبواب منها باب الفرضة و آخر للدخول و الخروج ثم باب السكة لتمر السيول خلاله إلى البحر عند هطول الأمطار الغزيرة. كما أن الزنجبيلي قد زاد من فعاليات تحصينات المدينة من ناحية جبل حديد إلى سلسلة جبال المنصور و أقام القلاع على قمم الجبال و كذلك باب (حقات)

و الحقيقة أن مثل تلك التحصينات القوية هي التي كانت السبب في صد الهجوم البرتغالي الكبير الذي قام به البوكيرك ضد الميناء عام 1513م. و من يشاهد اللوحة المحفوظة في المتحف البريطاني لهزيمة قوات البوكيرك البرتغالية أمام ميناء عدن كما رسمت حينها ليدهش من قوة التحصينات و القلاع و الأسوار الضخمة التي كادت أن تغطي جبال عدن و تحيط بالمدينة من ناحية البحر. كما أن هناك لوحة لجبل صيرة رسمت حوالي عام 1680م، بعد رحيل الأتراك و دخول المدينة ضمن السلطة المركزية في صنعاء و فيها يظهر أن كل جزيرة صيرة تقريباً كانت تحيط بها الأسوار و القلاع من أسفلها إلى قمتها

لقد بلغت عدن ذروتها الإقتصادية في العصور الوسيطة المتأخرة. فمنذ قيام الخلافة الفاطمية تحول ميزان السلطة السياسية من بغداد نحو القاهرة فكان أن أنتعش النشاط الإقتصادي لعدن و أصبحت من جديد همزة الوصل بين الشرق و الغرب في معظم المسائل التجارية و الإقتصادية خاصة عندما أصبحت عدن تدخل ضمن ولاء الفاطميين و نفوذهم أثناء قيام دولها الشيعية كالصليحيين و الزريعيين . ثم واصل الأيوبيون نفس الإهتمام بعدن عندما حكموا اليمن فأصبحت في أيامهم أكثر أماناً و تحصيناً من أي ميناء عربي آخر في الجزيرة العربية. و منذ إستقلال الرسوليين بها في بداية القرن الثالث عشر و حتى إنتهاء دولتهم في القرن الخامس عشر بلغت عدن ذروة إزدهارها و مجدها الإقتصادي. إلا انه بعد العقد الثاني من القرن الخامس عشر بدأت عدن تفقد تدريجياً ازدهارها و أهميتها الإقتصادية نتيجة المنافسة النشطة التي كان يقوم بها ميناء هرمز في الخليج العربي حيث أستطاع تدريجياً ذلك الميناء إمتصاص الجزء الأكبر من تجارتها العالمية. و لما جاء (الطاهريون) قضوا معظم فترة حكمهم الذي أستمر حتى منتصف القرن السادس عشر يتنافسون مع الموانئ المصرية المطلة على البحر الحمر و ميناء الشحر في حضرموت من أجل السيطرة على تجارة البحر الأحمر و المحيط الهندي .. و مع ذلك فقد كانت عدن عام 1460م مثلاً لا تزال تعتبر ميناءاً عظيماً و حصيناً و يتراوح سكانها بين 50.000 60.000 نسمة و يوجد فيها خليط من التجار المصريين و السوريين و المغاربة و اليهود و الهنود. و في القرن السادس عشر، أي بداية العصور الحديثة، أصبحت عدن الضحية الكبرى للصراع البرتغالي/المملوكي، ثم البرتغالي/العثماني فيما بعد في مياه المحيط الهندي و بحر العرب و البحر الأحمر. و عندما فرض العثمانيون سيطرتهم على اليمن في الفترة ما بين 1538م 1835م حولوا عدن إلى قلعة عسكرية للقسم الجنوبي من اليمن و ساعدوا على إنحطاطها و أصبح الميناء الرئيسي و المزدهر هو المخا. و كان السبب الثاني الهام الذي قضى على عدن بعد الصراع العسكري البرتغالي/العثماني هو نمو الإتجار (بالبن اليمني) بدلاً من البهارات الشرقية التي كانت تجارة الترانزيت من أسباب ازدهار عدن

لقد أصبحت تجارة البن ـ عبر ميناء المخا ـ هي الأساس الإقتصادي الجديد و بمثابة ثورة تجارية غيرت جذرياً العلاقات التجارية بين الشرق و حوض المتوسط بعد القرن السادس عشر. و هكذا أستمرت عدن في التدهور الإقتصادي أثناء و بعد طرد العثمانيين

و ها هو (جون جوردين) أحد بحارة أول سفينة إنجليزية تزور الميناء عام 1609م