آخر تحديث :الجمعة-11 أكتوبر 2024-09:54م

تقارير مجتمعية


مرضى يتخلون عن العلاج مقابل تأمين لقمة العيش (تقرير)

 مرضى يتخلون عن العلاج مقابل تأمين لقمة العيش (تقرير)

الجمعة - 19 يناير 2024 - 10:37 م بتوقيت عدن

- تحديث/خاص

تقرير/ هلا عدنان

"سجلوا لي فحوصات كثيرة وعلاجات، ورواتبنا ضعيفة ومحدودة، يادوب أنها تكفي القوت اليومي"، بهذه الكلمات عبر العم محسن الصياد عن معاناته من عبئ العلاجات عليه كونه رجلا كبيرا بالسن، ودخله المادي محدود.

كان يبدو التعب على العم الصياد وهو يقف حاملا أوراقا بيدا والأخرى كيسا صغير لمستلزمات طبية، ينتظر الطبيب وسط عدد كبير من المرضى، يتحدث "أنا متقاعد واستلم 40 ألف ريال يمني، فأجلس محتار هل أشتري بها أدوية ولا أعمل كشافة ولا لايش".

يبقى العجز المادي عقبة كبيرة تواجه شريحة كبيرة من المواطنين في عدن، لا سيما المرضى من ذوي الدخل المحدود، فيعيش المواطنون في صراع كبير ما بين تأمين ثمن العلاج المرتفع، وتلبية لقمة عيشهم اليومية واحتياجاتهم الأساسية الأخرى كالإيجار والمواصلات وغيرها، فيلجأ العديد منهم للتجاهل والتأخر في العلاج، مما يؤدي إلى تفاقم حالتهم الصحية في أحيان كثيرة، فتكاليف العلاج لأبسط فيروس يتفشى في البلاد يفوق أحيانا قيمة مرتب المواطن العادي، بما في ذلك تكاليف الزيارات الطبية والأدوية والفحوصات والعلاجات.

تقول نهى سالم"بدأ ابني الصغير بالتعب وحاولت أن أعالجه بالمنزل بالأدوية الموجودة معي، لأنني أعرف إذا رحت للمستشفى، سيسجلون لي فحوصات وسأتكلف في أشياء، وأنا ما عندي هذه المبالغ انتظرت يومين لكن ابني لم يتحسن اضطرت للذهاب بثالث يوم بعد أن أخذت مبلغ العلاج من قريبتي".

وتكلمت فتحية عبدي عن معاناتها أثناء ولادتها جراء عدم قدرتها على دفع تكاليف العملية القيصرية بعد تدهور حالتها الصحية، قائلة "عندما ذهبت للمستشفى كنت ما أدري أنه سيقررون لي عملية قيصرية، انتظرت ثلاثة أيام وأنا أتعذب وطفلي بدأ يخف نبضه، ونحن غير قادرين تدبير المبلغ، بعدها زوجي طلب من جميع أقاربه أن يساعدوه بتجميع مبلغ لإنقاذ حياتي .. كان منهار كثير ولكن ما بيده شيء".
تتابع فتحية "الحمدلله تجاوبوا معه وجمعوا مبلغ العملية وتدين زوجي تكاليف العلاجات وغيرها، كانت أيام صعبة..".

أما محمد عوض الذي يعاني من أمراض السكري والضغط ويحتاج إلى أدوية شهريا، يتحدث "اضطر إلى الذهاب للمستشفيات الحكومية، أحيانا يكون متوفرة وأحيانا يقولون كمل والله تعبنا من هذا الحال، الحمد لله".

يضيف عوض "لمن تكون الأدوية متوفرة في المستشفى أكون مرتاح لأننا بوفر قيمة الأدوية، وما عاد بهمها ولمن ما ألاقيها أجلس أهم الراتب كله يروح للأدوية أحيانا أقول بوقفها وما بشربها، ولكن أهم أبنائي محد معاهم غيري بعد الله".

وحول الموضوع نفسه، يقول الدكتور الصيدلاني مختار عبده مرشد، مندوب تسويق دوائي "المريض أصبح منهكا من ارتفاع قيمة العلاج وذلك لارتفاع قيمة المقابلة وقيمة الفحص، وعقب الانتهاء من ذلك بعد ما يكون أنفق الكثير، يتبقى عليه شراء العلاج، غالبا مايكون مكلف أحيانا قد يكون السبب في ذلك الطبيب الذي سجل له علاجات مكلفة، رغم من وجود أدوية بجودة وسعر مناسب، تحدث هذه الإشكاليات لعدم وجود رقابة وضبط".

ويضيف مرشد "كل ذلك يفاقم معاناة المواطن الغلبان، فيضطره الذهاب إلى الصيدلية بدون ما يكشف ويراجع عند طبيب، ويشرح للصيدلاني مرضه، للحصول على العلاج المناسب".

ويشير إلى أنه"ارتفاع أسعار الأدوية لعدم وجود رقابة، فكل صاحب شركة يسعر حسب ما يخارجة وما يجنبه الخسارة، ويرفع السعر لتعويض الجمارك والضرائب المرتفعة".

ويؤكد الدكتور عبدالله عمر الكثيري مدير مبيعات في شركة أدوية أن "الدواء والغذاء من أهم مكونات الأساسية والحيوية في حياة الإنسان بل من الضروريات التي يجب على الدولة توفيرها لأجل أن يعيش المواطن حياة مطمئنة ومريحة، وارتفاع الدواء في الفترة الأخيرة بات هاجس الكثير من الشرائح في المجتمع كونه من الضروريات في بعض الأمراض المزمنة والأمراض الفيروسية الخطيرة".

وعن أسباب ارتفاع أسعار الأدوية يقول الكثيري أن "عوامل كثيرة أدت إلى ارتفاع سعر الدواء ومنها، أن اليمن من الأماكن الغير آمنة بسبب الحرب لدى كثير من الدول مما أدى إلى ارتفاع النقل وزيادة تكاليف التأمين على الحاويات المبردة لنقل الدواء، بالإضافة إلى زيادة تكاليف النقل إلى ميناء جدة وزيادة فترة البقاء للتفتيش فيها، وعدم ثبات الصرف وتذبذبه أدى إلى خوف الكثير من التجار إلى رفع الأسعار بطريقة مضاعفة لضمان المكاسب كون البيع بالآجل لفترة طويلة".

ويتابع "زيادة ارتفاع المشتقات المحروقات عامل مهم بارتفاع الأسعار كون عملية نقل الأدوية تتطلب أن تكون في شواحن مبردة أو حافلات مكيفة لضمان وصول الأدوية دون تلف، وزيادة تكلفة الإيجار ومخازن الأدوية يعد سبب ارتفاع الأسعار، إضافة إلى زيادة جمارك الأدوية وتكلفه تسجيل منتجات الأدوية في الهيئة".

ووضع الكثيري حلول، تساعد في الحد من تفاقم المشكلة، قائلا "على الدولة أن تسهل للتاجر، بالعمل على توفير العملة في بنك ليُثبت سعر دواء دون تلاعب فيه، ويُستثنى الدواء -كونه من أساسيات الحياة- في التعاملات البنكية وثبات التعامل مع الحوالات الخارجية، واستلام كافة المنتجات عبر ميناء عدن وبمسار أقل كلفة، وضمان من الدولة لأجل تخفيف تكلفة النقل مع التأمين".

وأضاف "استنادا إلى بعض منتجات المحلية الأساسية ودعم المنتجات من قبل الدولة لأجل أن تكون أساسية في توفيرها لكل شرائح المواطن، فتح كافة التسهيلات للتاجر لأجل أن يعمل على ضبط الأسعار، وتكون الهيئة هي مسؤولة على ضبط الأسعار بسبب ضعف عملية الرقابة والتفتيش وتكوين جهة تراقب عملية فساد الهيئة".

واختتم قائلا إن "من الضروري الترتيب مع شركات النقل عبر الحكومة وإعطاءها ضمانات لأجل التخفيف على التاجر والمواطن ووصول الدواء دون تكلفة كبيرة، إلى جانب مراجعة دقيقة من قبل هيئة الجمارك لأسعار المنتجات لأجل عدم رفع بعض المنتجات في الجمارك خاصة الأساسية أو الإسعافية واستثناءها".

ومن جانبها، تقول الطبيبة منى منصور الجنيد "في وضعنا الحالي ومع ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة يعاني المرضى الأمرين، فهم بالكاد يستطيعون توفير أساسيات سبل الحياة من مأكل ومسكن بما يتيسر لهم، فالغالبية العظمى من أبناء الشعب تحت خط الفقر، نجدهم عند المرض تزداد معاناتهم، وذلك لارتفاع أسعار العلاج والدواء وكافة الإجراءات الطبية".

وأضافت الجنيد "أنصح الناس عامة بالوقاية فكلنا نعلم أن الوقاية خير من العلاج، كما انصح المرضى بأن يتوجهون للمرافق الحكومية فهي تضم كوادر طبية ممتازة تخفف عن المرضى بالكشف وبمتابعتهم وصرف بعض العلاجات لهم".

ويشير تقرير الاستجابة الإنسانية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن 2023، إلى أنه لا تزال اليمن إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، فهناك نحو 12.6 مليون بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية في العام 2023، ويعاني 80% من السكان من أجل الوصول إلى الغذاء، ومياه الشرب الآمنة والخدمات الصحية الكافية، تأتي هذه التداعيات كنتيجة لعدد من الأزمات الطارئة المتداخلة التي تضرب البلاد من الصراع والانهيار الاقتصادي إلى الكوارث الطبيعية المتكررة والاضطراب الحاد في الخدمات العامة.