آخر تحديث :الجمعة-11 أكتوبر 2024-09:54م

ادب وشعر


رسالة تحرقها نيران الحرب

رسالة تحرقها نيران الحرب

الخميس - 25 أكتوبر 2018 - 05:33 م بتوقيت عدن

- تحديث:عمار باطويل



كنت ناوياً زيارتكِ في الصيف، ونتصفح الكتب التي تجمعنا، ونجلس على أرصفت
الشوارع ونشاهد المارة، ولكن الحرب أشعلت الفراق بيننا .. لقد جهزت لكِ
كل ما طلبتيه من كتب والقليل من الورق الملون وأقلام لتكتبي لي مجدداً،
عندما أكون في المنفى الاختياري وأنتِ في وطنكِ الأول والأخير كما يبدو
لي من خلال هذه النيران الكريهة التي تستعر نارها بكل أصوات الأسلحة
المتقدمة والمتخلفة معاً.
من بعيد أرقد على الوجع، ومنتظر أخبار لا تسر؛ لأن الحروب، يا سيدتي، لا
تنقل لنا إلا الموت والدمار للذات أولاً. تكالبت عليّ كل أنواع الهموم
وأصبحت أواجه الموت المعنوي في ظل هذه الأصوات التي لا تريد أن ترقد.
تضعف قلوبنا في الحروب؛ لأنها تحمل السلام، تحسست الكثير من قلوب البشر
في ظل هذه الحروب واكتشفت بأنها ستدخل التاريخ من أوسخ أبوابه.

لست أدري كيف أتصور رسالتكِ الأخيرة التي تقولي لي بأنكِ في أحد شوارع
الشيخ عثمان بمدينة عدن حيث التقينا أول مرة، وكل أنواع أصوات القذائف
تهز أركان عدن وتحصد الأرواح. كنتِ يا أمل تحلمين بالحب والسلام في مدينة
عاشت للسلام ولكن الغرباء الذين لا يعرفون عدن وقيمتها يشعلون نيران
جهلهم بالحياة والجمال في مدينة كانت ومازالت السلام.

اليوم تصفحت صورتك وأنتِ ترشين بماء البحر في شواطئ عدن على ساحل أبين
وفي حركتك التي تبدو في الصورة كفراشة تحلم بزهرة تحوم عليها وتعيش بين
رائحة ندى الزهر وإلا بصوت البنادق تمزق هذه الصورة التي رسمناها في
حياتنا ومخيلتنا الجميلة، وتذبلين يا أمل كزهرة عطشانة للماء والحياة في
ظل القذائف التي تهز جمال الحياة.

أتذكر يا أمل الصورة التي تصفحناها معاً ذات ليلة عندما كنا معاً في
التواهي، وهي لطفل عدني إبان الاستعمار البريطاني، وكان اثنان من الجنود
يقفان فوقه ويصرخان وهما يحملان بندقياتهما مهددين الطفل والطفل تحتهما
وهو منكسر ورافع يديه ليس للاستسلام، بل كمن أراد أن يبعد أفواه البنادق
عنه، ويبدو في حال رعب وحالة انكسار.

ما أبشع يا أمل أن يقف فوق طفل رجال بكل قواهم العقلية وأجسادهم الضخمة
يهددون طفل يجهل معنى الحرب وبشاعة القادمين من خلف البحار..الصورة
القديمة يا أمل تتجدد الآن، وبكل وحشية عندما يموت إنسان في حرب لا ناقة
ولا جمل له فيها.

فلا مجال يا أمل لقصيدة حب الآن وكل أفواه البنادق مصوبة نحونا للفتك
بأرواحنا التي لا تفهم إلا لغة السلام، نؤجل الحديث عن الحب عندما تسكت
أفواه البندقية.