آخر تحديث :الجمعة-11 أكتوبر 2024-09:54م

ادب وشعر


فتحي بن لزرق يكتب قصة قصيرة.. #الاحتفال_بالذكريات

فتحي بن لزرق يكتب قصة قصيرة.. #الاحتفال_بالذكريات

الأحد - 25 نوفمبر 2018 - 05:35 م بتوقيت عدن

- تحديث/ خاص:


يطارد ذكرياته القديمة في وسط هذه الأجواء الباردة والكم الهائل من الناس الغرباء ، اشعل سيجارة ونفث دخانها بعيدا وتأمل نيرانها الحمراء المتقدة وهي تأكل بعضها البعض .
بعيدا هذه المرة يحتفل بالذكريات القديمة ، كانت الأجواء حارة وخانقة حينما وقف ملاصقا لها قبل سنوات طويلة من اليوم .
كانا وحيدان على ساحل ابين وبقربهما تتلاطم الأمواج مصافحة الساحل العتيق والساعة قاربت الـ 7 ليلا .
تقابلا والتقت النظرات واختلطت الانفاس الحارة وتصاعدت حدة عطرها الجميل الذي وضعته على ثيابها لاربع سنوات كاملة ونسي طوال 4 سنوات كاملة ان يسألها عن "اسمه" وبات اليوم يلتقطه من على أجساد اخريات يمرن مسرعات بالشوارع لكنه يخجل يسأل اياهن عن اسمه .
وضع يده بيدها ومرر يده الأخرى على خصلات شعرها التي تجاوزت حجابها الأسود الانيق .
قالت له وهي تتشبث بكلتا يديه وتحلق به كطفلة :" اوعدني انك لن تغادرني ابدا ..
رفع كلتا يديها الى اعلى وطبع "قبلة"، تنهدت الأمواج وتسارعت دقات قلبها وقلبه وخطوات الناس تباعدت عنهم.
كانا يقفان على ساحل "ابين" وكان كل هذه المدينة لم يعد فيها احد سواهما .
قال بثقة :" اوعدك انني لن اغادرك ابدا .
جاء ضجيج المدينة من بعيد متداخلا مابين ابواق سيارات وضجيج مختلف المعالم .
لايتزال يتذكر كل شيء كأنه "الامس"، الامس الذي طوى كل شيء سارا طويلا طويلا على رمال ساحل ابين ، خلعت حذائها ليلتها واخذت تدوس بقدميها على رمال الساحل ومياهه الرطبة .
انطلقت "تعدو" بعيدا بعيدا حتى كادت تغيب عن ناظريه ..
كانت "جميلة" وحركاتها اجمل واثار قدميها على الرمال اجمل ، وكان يعشق كثيرا رؤيتها وهي تسير لكنه لم يتركها قط ان تغيب او هكذا تمنى واردات الاقدار خلاف ذلك..
التقاها على غير موعد ، واحبها على غير موعد أيضا وافترقا ذات يوم على غير موعد وبلا سبب.
لايزال يتذكر لقائهما الأول..
وهل يمحى اللقاء الأول من "الذاكرة" ، الأشياء الأولى تظل عالقة كقبلة حانية، كنقشة وسم على جبين "غجرية" كندوب عميقة لاتزال ولاتنسى ، تشبه ضربات الطفولة على الوجه يتحسسها الانسان في سنوات عمره الأخيرة لكنه لاينسى ابدا كيف حدثت .
كل الأشياء الاولى تظل عالقة بوجداننا حتى الموت ، حتى الموت لن ينتزع شيء من البدايات ، تظل جميلة نبيلة وبريئة.
كان في الـ 24 من عمره وكانت تصغره بعام واحد فقط ، حتى ان عيد مولدهما يقترب من بعضه كثيرا .
قال لها ذات يوم وحافلة صغيرة تمخر بهم عباب الطريق البحري من المنصورة الى "عدن" :" حتى موعد مولدنا متقارب هي الاقدار جمعتنا بكل هذه الصدف الغريبة .
لايتزال يتذكر حينما التقاها لأول مرة ،نقل محمولا يومها مريضا الى المستوصف الطبي الصغير القريب من منزلهم بحي " الميدان" بكريتر ويومها كانت طالبة في عام تخرجها الأول من كلية "الطب" ..
وضعت يدها بيده يومها وهي تطلب منه ان يستعد لحقنة وريدية ، لم يسألها عن شيء لكن نظراته اصطدمت بنظراتها ، تلعثمت الكلمات وكادت الابرة ان تخطئ موقعها.
قال له الطبيب ان عليه ان يعود يوم غدا لحقنة أخرى .
وعاد اليوم التالي وقلبه يسابقه الى هناك ، لم يكن مريضا لكنه كان (يتمارض) ولم يكن موعد حضورها أيضا ولا دوام تطبيقها لكنها حضرت ايضا ..
لوا ان احدهما لم يحضر لما حدث شيء ، ولما نسجت الحياة فصول قصة حزينة تركت الكثير من الحب والجمال والاسى أيضا ..
كتب ذات يوم لاحقا وبعد سنوات طويلة عن التقاء الأرواح . وقف محاضرا ذات يوم ليحدث زملاء له عن التقاء الأرواح وكيف يمكن للناس ان تحب اشخاص ما لاتعرفهم ولاتعلم من هم ولم تلتقيهم قط .
قرأ الكثير من الكتب خلال دراسته الثانوية والجامعية لكنه لم يصدق قط ان الأرواح يمكن لها ان تلتقي قط ، ان تجتمع بلا غير موعد وبلا استئذان .
وما ان اطل الى وسط المستوصف حاملا حقنته بين يديه كطفل (ابله) حتى اطلت من بعيد مسرعة ناحيته. اقتربا يومها من بعض حتى كادا ان يتلاصقا .
لم تكن تعرفه ولم يكن يعرفها ولم تكن تعرف له اسما ولا يعرف لها وطنا ولامسكنا ولكنها القلوب (تعارفت) .
مد لها بحقنته وتلامست الايادي مجددا وارتشعت الأجساد ومنذ ذلك اليوم احبها ولم يسأل نفسه قط لماذا وكيف وما السبب؟ الذي يجعله يحبها دون غيرها .
ومرت "الأيام" وبينما كان يظن ان مشاعر المراهقة قد غادرته وجدها على غير موعد تعود مجتمعة الى داخله ، معها وبها شعر بكل شيء حوله ..
الشاب الفتي خريج الجامعة الذي يشق طريقه بثبات نحو "المستقبل الغامض" يغرق في رمال حب متحركة ، احبها واحبتها حتى انه نسي العالم اجمع ..
في شرفته التي يقف فيها منذ ساعات تذكر ان سيجاره الذي اشعله قبل دقائق انتهى دون يأخذ منه نفسا ، في مدينة بعيدة يستذكر الذكريات وفي وطن ليس وطنه لقد بات بعيدا عنها وعن كل شيء .
اطل بنظره من الشرفة التي يجلس فيها الى الشارع الخليط من أشياء كثيرة سيارات ورجال وأطفال ونساء رجل وامراة يسيران في الشارع يتوسطهما طفل صغير ..
تذكر انه لم يراها منذ 4 سنوات كاملة ، قال بداخله :" ترى اهي بخير ؟
سقطت دمعة من عينه وتاهت وسط الظلام من شرفة الدور التاسع حيث يقيم .
ارتطمت دمعته في نهاية الامر مثل أحلامه بطرف الرصيف بكل قسوة او ان الرياح العاصفة عصفت بها قبل وصولها الى القاع .
تشبه المرأة التي احبها ذات يوم من كل قلبه ، دمعته اليتيمة هذه ، مشاعره الحائرة التي لم يستطيع ان يعطيها لغيرها منذ ان افترقا قبل سنوات من اليوم ..
اشعل سيجار اخر وغرق في تفاكير طويلة وكبيرة ، كل عام يحتفل في الـ 17 من يناير بعيد ميلادها وحيدا منذ 4 سنوات يحتفل بهذه الذكرى وكل عام يشعل شمعة جديدة ويضيف أخرى ويحتفي بالذكريات ..
اصعب الأشياء في الحياة ان تسير في طريق بلانهاية وان تنسج فصول حلم لايكتمل ولايتبقى لك من احلامك القديمة الا بقايا ذكريات تشبه حبات جمر تأكل ماتبقى لك من قلب .