آخر تحديث :الجمعة-11 أكتوبر 2024-09:54م

ادب وشعر


حكاية حب طارئة في قرية فرنسية

حكاية حب طارئة في قرية فرنسية

الأربعاء - 28 نوفمبر 2018 - 12:29 م بتوقيت عدن

- تحديث/ سليم البيك:

يمكن لأحدنا أن يشاهد بين وقت وآخر، بالصدفة، أو عن قصد، فيلما لا يكون شكلا ومضمونا، بمستوى ما يختار عادة مشاهدته، خاصة إن عرف مسبقا أن مُخرجه ممثل مازال يشق طريقه، إضافة إلى أن طبيعة الأفلام التي مثّل فيها قد تعطي فكرة عن طبيعة ما يمكن أن يخرجه هو بنفسه، وهي، في حال نيكولا جيرو، الممثل الفرنسي، أفلام زاد طابعها التجاري على أي طابع آخر، هي ليست كذلك من تلك الأفلام المدموغة ملصقاتُها بلوغوهات هذا المهرجان أو ذاك.
أخرج جيرو فيلمه الأول وشارك في كتابة السيناريو له �شمس في عيني� (2018) وعُرض في السينماتيك الفرنسية مؤخرا في باريس. وكان فيلما بحدود المتوقّع منه، حكاية وتصويرا، إلا أن فيه ما يميّزه وهو ما لا يتعلق بمخرجه.
حكاية الفيلم عادية، ليست فيها انعطافات تشدّ واحدتها الأخرى، حكاية حب فرنسية لنقل: في قرية عند البحر، حيث سيقيم ميكانيكي بحّار لأيام، يلتقي بامرأة تقيم عند والدتها هناك، حين حاول مساعدة ابنها على الخروج، وهو طفل علق في مكان على الشاطئ، تتجاهله الفتاة/الأم وتطمئن على ابنها. تلتقي به جالسا إلى طاولة في وقت لاحق من اليوم ذاته، يجلسان ويدعوهما لتناول الغداء معه، قبل المساء نجدها تطرق باب غرفته وتدخل، يمارسان الحب، تعود إلى ابنها وأمّها.


تتطوّر العلاقة بينهما ضمن ما يمكن أن يهدد هذه العلاقة: إقامته المؤقتة في القرية واضطراره للرحيل قريبا فهذه طبيعة عمله، إذ أنه يتنقّل مع السفن، وحالتها النفسية وارتباط ذلك بعلاقتها بابنها، وهذه فكرة أساسية في الفيلم.

حكاية كهذه تكون بسيطة ولا تحتمل عقدا فرعية أو ارتفاعات وانخفاضات حادة، هي ببساطة: اثنان التقيا وأمامهما مشكلة ليس التخلص منها تحديا أو عائقا يتطلّب حبكات.

إن كان هو يستطيع التخلي عن عمله – وهذا ما سيفعله – للبقاء في القرية بقربها، فإنّها لا تستطع التخلي عن طفلها لسبب أساسي هو أنّها، في اليوم الذي التقت به، كانت قد أتت إلى بيت والدتها، بعد أشهر قضتها في مركز علاج نفسي للشفاء من حالة نفسية عصبية طالتها إثر حادث أودى بحياة زوجها، فبقيت وحيدة لفترة طويلة، ولم تستعد عافيتها تماما إثر خروجها من المركز الصحي، وهذا ما نجده من خلال أحاديث لها مع ابنها في بيت أمّها، لكنّها قررت أنّها بحال جيدة فأتت لتصطحب ابنها وإن لم تكن أمّها موافقة تماما، فكان مبرّر تردّدها في إكمال علاقة بدأتها مع البحّار الطارئ هو محاولتها لحظتها بدء حياة جديدة مع طفلها. هنا، يأتي الحب ليحل تلك العقدة بتحفيز من طرف ثالث هو الطفل.
فالحب الذي يبدو أنّها شعرت به تجاهه وكتمته، وأمضت العلاقة بزيارات لممارسة الحب بدون التزام يحتّم عليها الابتعاد مجددا عن ابنها، هذا الحب هو الذي سيمنحها أخيرا علاقة صحية أفضل مع ابنها، الذي أراد البقاء مع حبيب أمّه، الذي لحقه ليطلب منه العودة حين صرخت هي في وجهه تطلب منه الخروج فورا. وهذا الحب هو ما قد يجعلها، إضافة إلى إعطائها أملا لتكون مع ابنها، تقبل أخيرا بمرافقة حبيبها حيثما يذهب، مع ابنها.
حكاية كهذه تكون بسيطة ولا تحتمل عقدا فرعية أو ارتفاعات وانخفاضات حادة، هي ببساطة: اثنان التقيا وأمامهما مشكلة ليس التخلص منها تحديا أو عائقا يتطلّب حبكات. أما ما أمكن أن يعوّض ذلك النقص في الحكاية فهو الجانب البصري من الفيلم، وهذا لم يكن مميزا إنّما كان جيدا بمعنى أن استخدامات الإضاءة الطبيعية والظلال واللقطات المقرّبـــة كانت ملحوظة، لكن ما يمكن أن يُخرج المُشاهد من الصالة بشعور جيّد هو – أكثر من غيره- أداء الممثلة كلارا بونسو.
استفاد الفيلم (Du soleil dans mes) من الجمال الظاهري والعفوي للممثلة، فأظهره بلقطات مقرّبة عديدة لوجهها بشتى حالاته، لملامحها الجميلة وتعابيرها الوجهية الطبيعية والمتلائمة مع امرأة تعاني اضطرابا نفسيا. وكذلك للقطات عديدة من زوايا متعددة لجسدها على طول الفيلم، داخل البيت وخارجه. هذا العامل الظاهري يأتي مع تفعيل جاد له، مع أداء لعلّه كان أفضل ما في الفيلم، ما جعلها البطلة الفعلية للفيلم، ما جعل للفيلم خطا موازيا لحكاية الحب تلك، هي مراحل تطوّر الحالة النفسية لهذه الامرأة والتأثيرات التي من حولها: أمّها/ابنها/حبيبها.
الفيلم جيّد، أخيرا، كفيلم أمسية خفيفة، كفيلم تمضية وقت ممتع بدون الحاجة إلى التفكير أو إغراق الذات، كما هو الحال في أفلام أخرى تحتاج فعلا لذلك.