آخر تحديث :الجمعة-11 أكتوبر 2024-09:54م

ادب وشعر


ظاهرة الثقافة العصرية

ظاهرة الثقافة العصرية

الأربعاء - 12 ديسمبر 2018 - 02:58 م بتوقيت عدن

- تحديث/ خاص: جلال السعيدي:


برزت في الآونة الأخيرة العديد من ظواهر الثقافة العصرية ذات الاستخدام المحدود في فسحة الفضاء الملبد بغيوم الحداثة، ورياح العولمة اللتين باتتا تجريان في سباق محموم مع عقارب الساعة نحو العقل البشري دون ضوابط، أو حدود بوسائل غزو متعددة لا حصر لها؛ لتجعل من ذلك العقل وعاء يشحن ويفرغ بأفكار جاهزة، وثقافات حرة تستلهم بمعزل عن التفكير الذاتي، فطرأت السلوكيات الغريبة عند المجتمعات تحت مسميات عصرية انبثقت عن تلك القيم الدخيلة المصاحبة.

إذ بات ينتاب العديد من الناس هوس غريب وجنوح غير مسبوق تجاه عالم المعلومات المشبوه، فيساقون إلى غياهب العزلة والانزواء مع الأجهزة الذكية والحواسيب المحمولة لساعات طوال يقضونها إما بالتصفح الفضفاض أو بالتنقل بين تطبيقات ألعاب الفيديو ذات الأحداث المثيرة لغرائز البشر.

لكن ما يهمنا في هذا السياق هو التركيز على ظاهرة طرأت في خضم المتغيرات المتسارعة التي أحدثتها ثورة المعلومات الهائلة في ثقافة المجتمعات، وهي تلك التي تتعلق بتبادل النصوص المشفرة في المراسلات المستخدمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تشبه -إلى حد كبير- طلاسم السحر الأسود في مظهرها، إذ أن تلك النصوص قد أصبحت تتميز اليوم برموز ورسوم واختصارات ولغات ولهجات وكذا أرقام وأيقونات وصور مختلفة لتشكل بحد ذاتها لغة عقيمة معاقة لا ترتكز على أي قواعد منهجية ثابتة، ولا تخضع لأي رقابة أو قيود. فأصبحت تفرض نفسها بقوة على الجميع بأساليب وطرق تجعل التعامل بها دون عناء، ومع تطور الوسائل المستخدمة في هذا الإطار يتبين جلياً مدى حدة التأثير السلبي على مستوى الإنتاج الفكري، وحتى على صعيد القراءة والكتابة لدى كل فئات المجتمع، فتركت البحوث والمدونات وكتابات الأدب وفنون الرسم والمخطوطات وكلها مستوحاة من جودة الخيال وسعة التفكير والتصورات الإبداعية لتحل محل كل ذلك عبارات ونصوص مشوهة وصور مركبة ومعلومات مغلوطة تشوبها المفاسد والشبهات لا تستند إلى أي مصدر موثوق أو مرجع مرموق، فأضحى المجتمع يلهث نحو عالم مجهول مليء بالآفات والمخاطر المحدقة على القيم السمحاء، والثقافات الإنسانية النبيلة حتى وجد المجتمع نفسه متأرجحاً على أرضية رخوة دون هوية راسخة ولا طريق قويم.

فبين الأمس واليوم شاسع كبير وفوارق هائلة من خلال النظرة النمطية للمجتمعات إلى الماضي بأنه ماضٍ متخلف لا يتناسب مع ثقافة التطور العصري وتطلعات الشعوب إلى مواكبة الحداثة التي تتجدد مع مرور الزمن طبقا للحاجة والمتطلبات المرحلية.

لكن المتأمل ملياً في واقعنا المشئوم سيجد اننا قد تأخرنا كثيراً إلى الوراء دون أن ندرك مصلحتنا الحقيقية كشعوب محافظة لا تزال تمتلك إرثاً فريداً من الفكر الهادف إلى تحرير العقل، وتحقيق العدالة، وإرساء السلام المفقود بصرف النظر عن شعارات الزيف التي تصنعها رؤوس الأموال الغربية لتحويل عقول المجتمعات إلى سوق استهلاك لمواد التعليب الالكتروني.