آخر تحديث :الجمعة-11 أكتوبر 2024-09:54م

ادب وشعر


قراءة في كتاب «تفكيك خطاب داعش»

قراءة في كتاب «تفكيك خطاب داعش»

الإثنين - 11 فبراير 2019 - 05:22 م بتوقيت عدن

- تحديث/د. عصام واصل

يسعى الكاتب علوي أحمد الملجمي في كتابه الجديد «تفكيك خطاب داعش؛ قراءة في أنساق المعنى وبناه العميقة»، إلى قراءة وتفكيك خطاب «داعش» ومعرفة مضامينه وكيفيات اشتغاله، ناهيك عن معرفة أهدافه المسكوت عنها، وسبل التعامل معها للحد من خطرها.
ويأتي ذلك منطلقاً من أن التيارات المؤدلجة تستغل الخطاب باعتباره أكثر الأسلحة قوة وفتكاً وتأثيراً في الآخرين من أجل خدمة أجنداتها، وهو خطاب مراوغ يعتمد التضليل والزيف تحت قوة وسائل الإقناع القائم على عناصر متعددة منها المغالطة والتضليل والتقية واستعمال الخطاب الديني.
ضعف الخطابات الوسطية
لقد اضطلع الكتاب الصادر مؤخرا عن «مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر»، بمهمة تفكيك خطابات داعش، وهو كتاب يتوسل جملة من الأدوات المنهجية المتعلقة بتحليل الخطاب ووسائل قراءته، من أجل معرفة مستوياته العميقة والتنويه بما تحتويه، مشدداً على أن ظهور هذه الخطابات وما يتماثل معها ناتج عن ضعف الخطابات الوسطية الموازية، وهي خطابات تقليدية لا تستطيع أن تعمل على تطوير ذاتها أو تنوير المجتمع نتيجة لعدم توسلها لوسائل الخطاب وتقنياته الحديثة.
وفي حديث خاص للملجمي مع «العربي» تحدث عن فكرة استغلال التيارات المؤدلجة للخطابات واتخاذها سلاحاً لها قائلاً «اتخذت تيارات الانحراف الفكري من أول ظهور لها حتى عصرنا الحاضر من الخطاب سلاحها الأبرز؛ فهو أداتها في توصيل أفكارها، وإقامة حجتها؛ فهي تستعمل التضليل الخطابي لإقناع الآخرين بفكرتها»، ويؤكد أنها «قد نجحت في استعمال سلاح الخطاب، وحققت كثيرًا من أهدافها من خلاله».
كما أشار إلى أن تيارات الانحراف الفكري قد «استغلت في عصرنا الحاضر أدوات وآليات الخطاب الحديثة كلها في تضليل وعي المتلقي»، مشدداً على أن الخطابات الوسطية لم تستطع أن تواجه هذه الخطابات؛ لأنها تقليدية الطابع والأداة، إذ من وجهة نظره «واجه الخطاب الوسطي صعوبة في تطوير نفسه لمواجهة هذه الانحرافات؛ فقد ظل -في أغلبه- خطابًا تقليديًّا يعتمد على الأدوات التراثية في تقديم نفسه أو مواجهة الخطاب المنحرف».
وأكد أن «على الخطاب الوسطي أن يطور من أدواته وآلياته، وأن يستغل التقنيات والإستراتيجيات الخطابية الحديثة كلها. ومن أهم ما يجب أن يكون على وعي تامٍّ به مناهج تحليل الخطاب، ليذود بها عن نفسه من جهة، ويكشف خلل وخفايا الخطاب المنحرف من جهة أخرى».
تنوير القارئ
وللكتاب أهداف متعددة تصب جميعًا في تنوير القارئ وتعريفه بماهية الخطاب وأهم وسائل قراءته وكيفيات معرفة مضامينه من أجل اكتشاف وسائل التضليل والزيف القائمة عليها، ويؤكد الملجمي في حديثه أن «الكتاب يهدف إلى تفكيك الخطاب المنحرف ممثلًا في خطاب داعش، ومواجهته من خلال خلخلته من داخله، وبيان كيفية إنتاج المعنى وتشكله في الخطاب المتشدد، وإيضاح الإستراتيجيات التي يقوم عليها الخطاب في بلاغته الإقناعية، وإبراز المنطلقات التي انطلق منها الخطاب، وشكلت بنيته العميقة التي تتضمن معانيه الخفية. وبيان المعنى العميق والخفي الذي يخفيه الخطاب وراء بريق البنية السطحية، وفضح مقاصد الخطاب وأهدافه الحقيقية».
ناهيك عن «إظهار أثر قراءة الخطاب ضمن موسوعته اللسانية والثقافية في معرفة منطلقات الخطاب وخلفية منتجه، وآليات اشتغاله. وكشف خلفيات الخطاب التي أنتج من خلالها معانيه الخفية باستغلاله لها لتحقيق أهدافه. والتعرُّف على خلفية الذات المنتجة، وقناعاتها الفكرية، وميولها النفسي، وتوجهاتها السياسية».
مكونات الكتاب
قسم الملجمي كتابه إلى ثلاثة فصول ومقدمة وخاتمة وتوصيات وقائمة للمصادر والمراجع، وقد ناقش الفصل الأول مصطلحات التحليل؛ من أجل تحديد مفاهيم الدراسة، ومنها مفهوم الخطاب، والخطاب المتشدد، وتفكيك الخطاب، والمعنى، وأنساق المعنى.
أما الفصل الثاني فقد تطرق إلى البحث عن أنساق المعنى بحثًا فيها عن المعنى العميق، والآليات والكيفية التي يتم بها إنتاج الخطاب وإدراكه. بينما استعرض الفصل الثالث خلفية الخطاب، ومنها ينطلق إلى خلفية الذات المنتجة.
خطاب (العفوية الأخوية)
وفي محصلة الكتاب توصل المؤلف إلى جملة من النتائج التي من أبرزها: أن الخطاب المتشدد يقدم نفسه في صورةٍ بسيطة ومختزلة، ويهدف بذلك إلى تحويل نفسه إلى مجرد مثير يبحث عن استجابة، عن طريق اختزال القضايا التي يطرحها، وتبسيطها وتحويلها؛ محاولًا فرض قراءة معينة على قرائه من خلال تقديم نفسه في صورة متعالية قدسية وبسيطة. وهذه هي أدوات بلاغته الإقناعية، فضلاً عن تقنية خطابية أخرى هي (العفوية الأخوية).
كما أن هذا النوع من الخطابات ينطلق من قناعات إيديولوجية، وأهواء نفسية؛ لتشكيل بنيته العميقة، ومعانيه الخفية، وتمظهراته السطحية. ويعد هوى الكره العنيف منطلقًا لإنتاج خطاب داعش، وهو ما ظهر جليًّا في المعاني التي ينتجها الخطاب. فكرهه العنيف جعله يبحث عن عدوٍ، ويشن الحرب على الجميع، ويتلذذ بمشاهد القتل والذبح والدماء. وهو ما يعني تشبع الذات المنتجة للخطاب بالكره والعنف؛ وهو ما شكل منطلقًا لإنتاج هذا الخطاب العنيف.
كما أن خطاب «داعش» ينطلق من الإغراء، بوصفه دافعا هوائيا أو استهواء يدفع إلى الرغبة في الشيء، ومن ثمَّ محبته، والتضحية في سبيله، وهو الهدف الذي يسعى الخطاب إلى بلوغه. وينطلق الخطاب من الإغراء بالسعادة التي يقدمها عبر وهم الحاجة، وتشكلها العوالم المؤثثة للشهادة والجنة والخلافة والدولة الإسلامية (دولة الأمن والعدالة والمثالية)؛ وهذه العوالم تولد استهواءً (رغبة)، ومن الرغبة تولد (المحبة). ومن الإغراء بمراحله الثلاث (التأثيث – الرغبة - المحبة) ينطلق الخطاب.
تشوية مفهوم الخلافة
ويركز الخطاب «الداعشي» على ثنائية الحق والباطل؛ لكونها الأساس الذي يقيم عليه شرعية وجوده من جهة، وشرعية حربه على غيره من جهة أخرى. ويتخذ من هذه الثنائية مسوغًا أو حجةً لنزع الشرعية من كل من له شرعية في الأمة (الأنظمة، والعلماء والجماعات، والفصائل)، وإثباتها لنفسه.
ويصر خطاب «داعش» على استدعاء مفهوم الخلافة، وتوظيفه في كثيرٍ من السياقات، وجعله أساساً لكل القضايا والتصورات، فهو يخفي إغراءً وزرعًا للوهم واليأس، وإدعاء الأحقية والشرعية، وإبطال شرعية الآخرين وتبريراً فهو يجعل الخلافة حجةً لكل أعماله الحربية، وعداواته، ومن ثم ربط الخلافة بالتنظيم، وتشويه هذا المفهوم.