الدكتور بليغ يكتب
اليمن الجنوبي والقضية الفلسطينية ... مصالح الامة الغائبة
الثلاثاء - 25 يوليه 2017 - 12:14 ص بتوقيت عدن
- تحديث نت / خاص .
مؤلم جدا لنا كعرب ما نراه في فلسطين المحتلة وما يحصل لاخواننا من اهلها الابطال الصابرين الصامدين, وكذلك موجع لنا كمسلمين كما هو موجع لكل مسلم في العالم الاسلامي ان نرى مقدساتنا كمسلمين ونعني اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين المسجد الاقصى الشريف عبث بيد الصهاينة , و مستفز لكل انسان عاقل يحمل نفسا سوية ايا كان دينه ,مسيحيا كان او يهوديا او بوذيا او حتى ملحدا ,كل هذا الظلم والطغيان والارهاب الذي يمارسه الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني , كل هذا الظلم ومظاهره البشعة و النابع من واقع الاحتلال الاسرائيلي الذ يحاول الكثيرون ارجاعه بسخف وجهالة او بخبث الى الواجهة الكاذبة القائلة بأن السبب والاصل هو العداوة الدينية بين الاسلام واليهودية .
ينتاسى كثيرون من اتباع المؤسسات الدينية على اختلافها والمعبأون بعنجهية هذه المؤسسات الدينية وتكبر شخصياتها ونظرتهم المتعالية لانفسهم والدونية لباقي البشرية بفكرة ان الله العظيم الملك الاول الاخر العادل الرحمن الرحيم الذي حرم الظلم على نفسه , هو نفس الاله الذي اعطى لهم الحق بزعمهم لظلم الاخرين المختلفين , وسفكم دمائهم والاعتداء على اموالهم واعراضهم بدعوى حق اريد بها باطل فهم اصحاب الدين الصحيح القويم وهم الفئة الوحيدة التي خصهم هذا الاله العادل بمفاتيح الجنة والتحكم بابوابها , ولم تبقى هذه الفكرة السقيمة المتعالية الظالمة محصورة بين الاديان ,بل امتدت الى المذاهب والمدارس والطوائف في الدين الواحد, لتتجاوز بذلك مصدر التشريع الاول ,تتجاوز الاله الخالق وانبياءه ووصاياه وكتبه, وتصبح هذه المؤسسات الدينية بشخوصها ومصالحها العفنة الظالمة واللاانسانية, هي الاله والمشرع , وهي من تحدد بدل الله العادل الواحد الاحد مصائر الناس ومعايير الايمان والكفر .
ولكن هذه المؤسسات الدينية تجد في الاراضي المقدسة في فلسطين, عقبة كبرى في تحقيق مصالحها وتوجيه جموع البشر نحو التحارب الهمجي , نحو الهاوية , فلهذه الارض المباركة اورشليم وضع يختلف عن باقي الاراضي , انها ليست ارض يقدسها المسلمون فقط, او المسيحيون فقط , او اليهود فقط , انها ارض مقدسة عند كل الاديان السماوية .
ومن هذه القدسية لهذه الارض والتي يشترك فيها الجميع ,تنشأ العقبة امام المؤسسات الدينية , فهذه الوصايا الالهية التي حددت جميعها قدسية هذه الارض من الرب العظيم و التي توجد في جميع الكتب السماوية ووصاياها الداعية الى المبادىء الاخلاقية السامية التي تدعو لكل ممارسة حسنة و ايجابية ومنتجة وبناءة تحترم ادمية البشر وحقوقهم ,وتحترمها لتحقق العدالة بين البشر جميع البشر, مهما اختلفنا معهم, تجعل هذه المؤسسات ومصالحها امام تحدي كبير وسؤال صعب الاجابة .
ولعله من المفيد هنا ان نتذكر كيف كان موقف دولة اليمن الجنوبي وشعبها في ايام الحرب الباردة وتحت حكم نظام يساري قومي اشتراكي.
كات موقف اليمن الديمقراطي من القضية الفلسطينية واضحا في وقوفها بشكل صلب بجانب الثورة الفلسطينية و وكانت العلاقات الوطيدة التي سادت بين قيادة الدولة الجنوبية والقادة الفلسطينيين واضحة حيث كانت عدن ثاني أهم المدن بالنسبة للفلسطينيين بعد بيروت في سبعينات وثمانينات القرن العشرين , وظهر عمق العلاقة بين الطرفين عندما طرد الفلسطنيين من بيروت بعد الغزو الصهيوني 1982 حيث لجأت أعداد منهم إلى عدن ,وكانت عدن ايضا تضم معسكرات تدريب كبيرة للثورة الفلسطينية, ولطالما عرفت اليمن الجنوبي بين اوساط الفلسطينين باسم عدن الثورة تمجيدا لدورها النضالي معهم والمساند لقضيتهم , إضافة إلى كون اليمن الجنوبي عضو في ما عرف سابقا بجبهة الصمود والتصدي ضد مشروع كامب ديفيد إلى جانب ليبيا والجزائر والعراق وسورية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وهذا الموقف والعلاقات الرسمية بين القيادة الجنوبية والسلطة الفلسطينية ,لم يكن فقط موقفا رسميا للنظام اليساري القومي الاشتراكي ,والذي ينطلق من مبادىء الفكر الحاكم ,الحزب الاشتراكي اليمني في عدن في وقتها, والذي كان يشترك بهذه المبادى مع بقية دول المعسكر الاشتراكي الذي كان ينتمي لها نظام الحكم في عدن ,بل كان ايضا متوافقا مع ايمان الشعب الجنوبي المسلم العربي وقناعاته واعتتناقه لمبادىء الخير والحب والعدل والسلام , لكن مع اختلاف بسيط, وهو مصدر هذه القناعات ومظاهره.
فقد كان مصدر قناعات النظام يتطلق من الفكر الشيوعي الصراعي و اهمية وجوب الطرف الاخر المختلف , بينما كان مصدر قناعات الشعب الجنوبي هو الدين ومبادىء العدل والحق وانتصار الخير على الشر , وقد ظهر هذا الاختلاف واضحا في الفرق بين المواقف الجنوبية الشعبية المشاركة والمتعاطفة مع الشعب الفلسطيني والمؤمنة بقضيته والتي ظلت باقية مستمرة وثابتة في ثقافة الشعب الجنوبي ومتابعته واهتمامه واشعاره وكتاباته ومواقفه وفعالياته وحتى علاقاته الاجتماعية من كل ما يحصل من احداث وتغييرات للشعب الفلسطيني ,وبين موقف الحزب الذي تحول بعد اتفاقية الوحدة من حاكم الى معارض شكلي , يتذكر واقع الشعب الفلسطيني وقضيته في المناسبات وحين حاجته او توافقها مع مصالحه .
ان السرد السابق لحقيقة الظلم الهائل الواقع على شعبنا الفلسطيني(وهم شعبنا واخوتنا بلا شك ) وقضيته العادلة , والايضاح المتكرر لحقيقة ان هذا الواقع هو نتاج الاحتلال الاسرائيلي الصهيوني للاراضي الفلسطينية المحتلة وليس ابدا نتاج لعداء بين دين واخر ,و تبيان الاختلاف الذي يجب تمييزه بوضوح بين الدين والايمان به وبمبادئه والمنطلق من كتب الله المنزلة ووصايا رسله وانبيائه وحياتهم وسننهم , وبين المؤسسات الدينية وشخوصها التي تنطلق من مصالح هذه المؤسسات ,وتوجهها وتغيرها بحسب هذه المصالح وظروفها وزمانها ومكانها , والتذكير بمواقف الدولة الجنوبية وشعبها اتجاه الشعب الفلسطيني وقضيته مع بيان الفرق بين منطلقات وايمان موقف نظام الحزب الاشتراكي وموقف الشعب الجنوبي , كل هذا ليس لمجرد التذكر لحال القدس الاليم واهلها , و وصمة عار اهل الانسانية جمعاء عامة واهل الاسلام بخاصة واهل العروبة بالاخص لما حصل ولا يزال يحصل مستمرا حتى الان في اقصانا.
انه تنبيه لمجموعة من الامور الهامة التي تخص الامة الاسلامية والعربية بل والبشرية جمعاء , الاول ان المؤسسات الدينية ومن صنعها بداية و من مولها وسعى لزيادة نفوذها وتحقيق مصالحه عبرها وكذا ما يتفق من مصالحها معه , ونجح بتوجيهها من افكار وشخوص و تحالفات سياسية او اقتصادية مع مؤسسات الحكم على اختلاف اشكالها وزمانها ومكانها وظروفها وقوتها او ضعفها , وظروف وتغيرات تاريخية او تطور صاحبها ,لم يكن ابدا ,ولا باية حال من الاحوال ,وليد الصدفة او نتيجة عشوائية للظروف ,او امر يصعب دراسته او تحليله وفهمه .
الثاني ان هذه المؤسسات الدينية وما نتج من ظلم وطغيان و حروب ودمار وسفك للدماء ,وقتل للابرياء ,وتخلف وجهل واهدار لجهود البشرية وعبث بمصادر الشعوب ومقدراتها ,واستئثار و مساندة للسلطات والنظم الظالمة و الطاغية وكذا النفوذ والمال ,وصنع لشروخ دينية وتاريخية وثقافية بين البشر, نتيجة توجيهاتها ووصاياها الصادرة من الله والمتماشية مع مشيئته ورغبته ورضاه الذي هو بغية كل مؤمن وامله ,لجموع القطعان من اتباعها ,نحو طريق الكراهية والصراع ,كل هذا يمثل في حقيقته التحدي الفكري الحقيقي لهذه المؤسسات الدينية, يظهر هذا التحدي في التناقض الواضح و الصارخ و الفاحش بين شعارات هذه المؤسسات الدينية ومبادئها الاخلاقية السامية التي تدعو اليها وتدعي اعتناقها بناء على وصايا الخالق, وبين النتائج السلبية والاثار السلبية والمدمرة واللاخلاقية الواضحة وكلفتها البشرية والاقتصادية والاخلاقية لتوجيهاتها التي تدفعها الشعوب و المجتمعات التي تتسلط عليها .
الامر الثالث ان اي عاقل سليم الفطنة وعالم بحقيقة الامور في هذا الزمان ويفهم طبيعة السياسة والاقتصاد الدوليين و اتجاهاتهما ,يرى ان الاحتلال الإسرائيلي للاراضي المقدسة المباركة في فلسطين المحتلة , ونتائج هذا الاحتلال المتراكمة المستمرة على الشعب الفلسطيني , منذ وعد بلفور وحتى الان , وسعي الصهاينة المستمر والحثيث لجعل هذه الارض المقدسة عند كل تلك الاديان السماوية حصرا لهم على اساس ديني متطرف ومتعالي , وتعاظم مشاعر الغضب عند باقي الامة الاسلامية جمعاء اتجاه ما يحصل لاخوتهم الفلسطينيين واتجاه انتهاك مقدساتهم المستمر والمتصاعد ,كل هذا ليس الا وصفة لحرب شعواء لن تبقي ولن تذر , ولن يسلم منها دين بعينه او بشر .
الامر الرابع ان هذا الاحتلال الذي تتبناه مؤسسة دينية متطرفة تعتمد مصالحها كمعيار يتم اعتماده بقوة والمتحالفة مع نظم حكم جشعة اقتصاديا ومستاثرة بالحكم وتتمتع بحجم راسمال فاحش, واثار تراكمه في اي بقعة من الارض ومع اي شعب لن يكون الا حربا ضروسا تاكل الاخضر واليابس وتحرق الجميع دون ان تستثني احدا.
ان مثل هذه الاجواء التي لا تعيشها امتنا الاسلامية وحدها ,بل تعيشها البشرية جمعاء, حيث تنتهك حقوق البشر ويظلمون ويقتلون ويجهلون , حيث تتعالى اصوات المؤسسات الدينية الضالة المضلة ,وتتحالف مع قوى الحكم الجشعة ,تحالف الضرورة التي تفرضها وتحافظ على بقائها اتفاق الاطراف على المصلحة المشتركة , حيث يتنشر الجهل والكذب وتأجيج مشاعر الجماهير واستغلالها وتوجيهها ,ويغيب صوت العقلاء في وسط زحام منابر الاعتلاف و تأليه البشر , حيث تصبح مقداساتنا كأمة مهانة مهددة واخوتنا الفلسطينيون يقتلون و يظلمون ويهانون ممن دافعوا عليها عبر التاريخ كل هذا بسبب نظام احتلال جائر ظالم فاسد مفسد تدعمه مؤسسة دينية تدعي ان لها الحق باسم الله , وكذلك ,وفي تشابه لغرابة الاقدار, يصبح ممرنا وبوابتناالاولى كأمة والاكثر اهمية اقتصادية وسياسية وعسكرية , وارض جيشنا الذي بشر به الصادق الامين والذي سيحرر فلسطين , محتلا بيد نظام احتلال جائر ظالم فاسد مفسد تدعمه مؤسسة دينية تدعي ان لها الحق باسم الله .
همسة :للتحالف وعروشه ان كان سقوط عدن في بداية الامر كان يعني سقوط الرياض دون ادنى شك , فأن بقاء وضع الاحتلال في الجنوب وعدم وجود بنية سياسية كدولة للجنوبيين ,وبقاء اثار هذا الاحتلال وتراكمه , سيعني حربا تستعر تحت الرماد ستقتلع ممالك الخليج وعروشها الحاكمة ,عاجلا ام اجلا.
قبلة لارض فلسطين المباركة الطاهرة المقدسة ,وقبلة لاهلها الصابرين الصامدين الابطال .
د.بليغ اليزيدي
الاثنين
24 يوليو 2017 م